ميهير شارما
TT

كيف ننقذ النظام التجاري العالمي؟

وصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السلطة معلناً تلاعب الصين بالنظام التجاري العالمي، وأنها قد خرجت به عن مساره، وهز الكثيرون حول العالم رؤوسهم بالموافقة، لكن في هدوء بالغ. ورغم كل شيء، كانت الطلقات الأولى في حرب ترمب التجارية بلا اتجاه محدد. فقد كانت رسوم الصلب والألومنيوم بمثابة إطلاق النار من دون تمييز على حشد من المتفرجين الفضوليين، وهي فكرة مفعمة بالمغامرة لأسباب عديدة، ليس أقلها أن كل فرد من ذلك الحشد مسلح.
ويوم الخميس الماضي، جاء دور الهند لإطلاق النار في الجانب الآخر. فقد ارتفعت الرسوم على القائمة المعتادة للمنتجات الواردة من الولايات المتحدة، مثل الجوز، وحامض الفسفوريك، والتفاح (ولكن ليست الدراجات النارية من موديل هارلي - ديفيدسون كما كان متوقعاً في بداية الأمر). وتؤكد هذه الخطوة حقيقة أساسية تتعلق بالحروب التجارية وهي أن الجميع خاسرون.
وفي الهند كما في العديد من البلدان، خاض خبراء الاقتصاد والمسؤولون في الحكومة معركة خاسرة ضد الغرائز الحمائية للحزب الحاكم. والعام الماضي، فرضت الهند والولايات المتحدة قيوداً تجارية جديدة أكثر من أي دولة أخرى. وفي الميزانية الفيدرالية الجديدة، رُفعت الرسوم الجمركية على نطاق واسع للمرة الأولى منذ عقود. وتمثلت ردود الأفعال غير المعلنة لتصرفات الرئيس ترمب في الجرأة الكبيرة التي تعامل بها دعاة الحمائية بعد أن صارت لديهم الآن ذريعة قوية أنهم يتصرفون من منطلق الدفاع عن النفس.
الحقيقة هي أن الهند تحتاج إلى التبادل التجاري مع الولايات المتحدة وبشروط منصفة. فإن كان لها أن تزيد من حصتها بالغة التدني في الاقتصاد العالمي، فسوف تحتاج إلى زيادة صادراتها إلى الولايات المتحدة وإلى أوروبا والصين.
ولسوء الحظ، فقد أبدى المسؤولون الهنود قدراً من التعجرف الواضح بشأن الدبلوماسية المطلوبة لاستمرار التجارة، بأن أظهروا رفضاً قاطعاً للمخاوف الأميركية. والعالم الماضي، على سبيل المثال، تقدم المسؤولون الهنود بعدد من القيود الشعبوية التي ستؤدي إلى نتائج عكسية في مبيعات دعامات القلب ومفاصل الركبة الصناعية في الهند. صحيح أن القطاع الطبي ليس أكبر القطاعات، لكنه مؤثر. والأسوأ من ذلك هو أن القيود والحدود القصوى للأسعار جاءت اعتباطية. وقد اشتكت المؤسسات التجارية الأميركية للكونغرس الأميركي من أنها تعرضت للتضليل من قِبل كبار مسؤولي الحكومة الهندية بشأن نياتهم.
وتفاقمت حدة التوتر أيضاً عندما تعرضت عضوية الهند في برنامج «نظام الأفضليات المعمم» للتهديد، حيث يسمح هذا البرنامج للهند بتصدير نحو 3500 منتج مختلف إلى الولايات المتحدة بتعريفات مخفضة، وهو ما يعادل ربع صادرات الهند للولايات المتحدة، وهي النسبة التي زادت عاماً بعد آخر. لكن الهند لا تستطيع تحمل رؤية هذا الكم من الصادرات يتراجع إلى الصفر.
لكن الدبلوماسيين الهنود لا يَبدون منزعجين من ذلك الاحتمال، حيث صرح دبلوماسي هندي لإحدى جماعات الضغط الأميركية بأن «نظام الأفضليات المعمم لا يشغل حيزاً كبيراً وسط السوق التجارية الضخمة في الهند»، ولذلك فالأمر لا يمثل مصدر قلق كبير بالنسبة إليه. لكنني أتعجب من حجم تعاملات تجارية، أياً كانت ضخامته، يجعلهم يستخفّون بصادرات بقيمة 6 مليارات دولار. ولذلك أعتقد أن هذا الدبلوماسي كان يعكس وجهة نظر الساسة داخل الهند الذين يزعمون صراحة وبشكل خاطئ أن حجم الهند الكبيرت يعني أن أسواقها المحلية ضخمة بدرجة تضمن الرخاء لأصحاب الأعمال والمصانع فيها.
وتلك هي المشكلة الأكبر التي أثارها ترمب، فقد حاولت الولايات المتحدة طويلاً أن تلعب دور الحكيم البالغ في الغرفة عندما يتعلق الأمر بالتجارة العالمية، لكن الحال قد يتغير إن تعثرت خطى ذلك الحكيم. وفي الوقت الحالي، فإن نظراء ترمب حول العالم ما زالوا يرددون الرأي الصحيح، وحتى رئيس الوزراء الهندي نفسه دافع عن العولمة خلال مؤتمر «دافوس». لكن في غالبية الدول، فإن آثار الحمائية باتت قريبة من السطح ولم يعد الأمر يحتاج إلا إلى بضع طلقات وبعض التعريفات من ترمب لكي تطفو.
الحقيقة هي أنه في حال كان هناك سخط من أسلوب إدارة التجارة العالمية، فسوف يكون هناك هدف واحد صحيح. لكنه ليس الهند ولا الولايات المتحدة وبالتأكيد ليس كندا. فالمشكلة كانت دوماً وأبداً تتمثل في جمهورية الصين الشعبية التي انتعشت مع توسع التجارة العالمية في الوقت الذي حافظت فيه على استقلالية أقسام اقتصادها الضخم والمربح وحظرت الاقتراب منه. ولذلك يتعين علينا أن نجرى نقاشاً متحضراً ومتأنياً بشأن الفائدة التي ستعود على الصين، وعلى العالم بأسره جراء الانفتاح.
لكن ما نفعله حالياً هو أننا نعمل على تعلُّم كيف يمكن للحرب التجارية أن تنتشر بسهولة، لنعزز من الاختلالات الجذرية في التجارة العالمية، والنتيجة هو الفشل في إيجاد الحلول وجلب المزيد من الفقر للكثيرين منا.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»