مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

«مانو» أو إيمانويل ماكرون؟

ثمة خبر قرأته مؤخراً يتعلق بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يبدو خبراً من «النوع الخفيف» أو كما يصنفه أهل التراث من «الإحماض».
الخبر باختصار، أن الرئيس ماكرون كان يحضر احتفالاً شمال فرنسا بذكرى دعوة الجنرال شارل ديغول للمقاومة الشعبية خلال الحرب العالمية الثانية. خاطبه «صبي» من بين الحضور، كان الصبي يقف وراء حاجز في أثناء مرور ماكرون أمام الحشد. ظهر الصبي على شاشات محطة «إل سي آي» التلفزيونية وهو يردد كلمات النشيد الاشتراكي الدولي قبل أن يقول للرئيس: «كيف الحال مانو؟». يعني «يمون» عليه، فدعاه باسمه المختصر «التغنيج» فما كان من الرئيس ماكرون صاحب الـ40 عاماً إلا أن غضب وقال للصبي: «لا لا، أنت هنا في احتفال رسمي. لا يمكنك أن تتصرف على هذا النحو».
هنا يكون السؤال الممضّ: من يضمن الإبقاء على الحد الأدنى من القيم الناظمة لصحة أي اجتماع بشري، القيم التي تناقلها البشر عبر عشرات القرون، وهي خلاصة ملحمة تطور بشري قيمي، توقِّر الكبير وترحم الصغير وتعطي كل صاحب قدر قدره، تحترم العالم وتُعرض عن الجاهل؟
أو يكون السؤال بصيغة أخرى: مَن يربّي مَن اليوم؟
لاحِظْ أننا نسأل هذا مع وجود عشرات «الخراطيم» الموصولة بآذان الصبية من فتيان وفتيات، وأشباه الصبية، تحقن أدمغتهم وتروي إسفنج عقولهم بالهجين من الآراء، والفوضوي من القيم، والخطير من التوجيه السياسي الممنهج المصبوب على أنفس غضة جامحة، تملك الجرأة ولا تؤوي إلى ركن شديد من الوعي الحافظ عن مزالق الطريق.
أما عن قصة الصبي الفرنسي الذي لم يعرف، ولم يهتم أصلاً أن يعرف، وربما أهله كذلك، كيف يخاطب الآخرين، رئيساً أو غيره، فهذا لا يلام عليه الصبي، بل منظومة كاملة أسهمت في إيصاله لهذا المشهد، مَن أرسل هذا الصبي إلى هذا المكان هو من يُلام.
أتذكر قصة من تاريخنا القديم، وهي أن عبد الله بن الزبير، كان في مجلس معاوية بن أبي سفيان بعدما وُلِّي الأخير المُلك، وكان يعلم بطموح ابن الزبير الدفين للسلطة، فأراد الغضّ منه، وبينما هم في مجلسه طاف صبي على القوم، وعبث معهم، فلما وصل إلى ابن الزبير، لطمه على وجهه، كأي طفل مزعج، فما كان من ابن الزبير، وهو الموصوف بالقوة، إلا أن لطم الصبي لطمة مدويّة، فقال له معاوية: أبا خبيب، إنما هو غلام! فردّ ابن الزبير: لكنّ من أرسله ليس بغلام!
ومن أرسل الصبي الفرنسي لذاك المشهد وأمثاله من ملايين الصبيان في العالم، ليس صبياً.

[email protected]