حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

السمنة: العدو المدمر!

بعيداً عن السياسة وبعيداً عن الاقتصاد، جمعتني أيام العيد بصديق طبيب لم ألقه منذ زمن بعيد، وبعد تناول أطراف الحديث بين المعتاد والمتوقع، تطرق معي إلى مجاله وهو المتخصص في الأمراض الباطنية، ليبدي لي قلقه كطبيب وإنسان عن ظاهرة السمنة وتفشيها بين مواطني الدول العربية، وكيف أن شهر رمضان المبارك الذي يعتبر شهر «صوم وامتناع عن الأكل بصورة عامة»، تحول إلى شهر يرتفع فيه استهلاك الطعام بشكل قياسي، ويزداد وزن الناس فيه بشكل لا يصدق.
استمر الصديق في حديثه معي عن «التبعات» المتوقعة لهذه الحالة، فهو يرى تفاقماً منتظراً في أمراض ضغط الدم، والسكري، والقلب، والبروستاتا، وسرطان الثدي، والقولون، والفشل الكلوي، وأمراض العين، وغير ذلك من العلل. وهي مسألة تعد بتدهور مهول في الخدمات الصحية التي لن تتمكن من التعامل مع «تسونامي» الحالات القادمة. والسبب الرئيسي في رأي صديقي الطبيب هو السمنة، وما يليها من تداعياتها المأساوية.
تذكرت مأساتي الشخصية ومعاناتي أنا من السمنة ذات يوم. كاتب هذه السطور وصل الوزن به إلى 140 كيلوغراماً. وكنت أدفع زيادة وزن فقط لوصولي إلى الرحلة. ضحاياي من الكراسي والكنبات وأسرة النوم معروفة حول العالم، وهناك كم من القصص المؤلمة والمضحكة في آن، تملأ صفحات الكتب.
أول موقف مع «البدانة» كان حينما كنت أعمل في بنك «مورغان ستانلي» في نيويورك، واضطررت للسفر في مهمة عاجلة من نيويورك إلى لندن، على طائرة الكونكورد النفاثة؛ لأجد بالمقعد الذي بجانبي مطرب الأوبرا الكبير الإيطالي الراحل بافاروتي، الذي كان في غاية البدانة، لأتمعن حجم معاناته في المقعد الضيق والعرق الذي يتصبب منه بغزارة، وضيق التنفس الذي يتعذب بسببه. ثم كانت لي مواقف كثيرة مع الصديق عماد الدين أديب الذي كان يسعد بدعوتي إلى الغداء في منزله على وجبات مقدمة من تسعة أطباق، ثم يدعوني لساندوتشات عملاقة طولها نصف طولي يسميها «تسليك زور»، ويسعد أيضاً حينما أهديه كتباً لزوجته حسب طلبه، وأحياناً له حسب طلبه، فيقول لي: «أنت صديق عظيم تساهم في نهضة العقول وتربية العجول». وأذكر لقاء جمعني معه في جنيف، كان عند خياط يفصل بدلاً وقمصاناً عنده، وقلت له: إنك قضيت على محصول القطن لقمصانك ونتاج الصوف لبدلك. وأذكر مرة ركوبه في السيارة ذات الدفع الرباعي التي كنت أقودها في الرياض، وتدميره للكرسي الذي جلس عليه، ليقول فوراً: «مش أنا».
ولا أنسى موقفاً آخر كنت فيه مع صديق مثلي من الوزن الثقيل جداً، وكنا نجلس بعضنا بجانب بعض، على طائرة متجهة إلى الرياض، فما كان منه إلا أن طلب المضيفة ليقول لها: «إذا الطائرة عند الإقلاع مالت بشدة إلى اليمين، فقولي للكابتن أنا وصديقي السبب».
كنت أربط حذائي منذ سنوات مضت، وقضيت بعدها عشرين دقيقة ألتقط فيها أنفاسي، لأقول لنفسي: هذا إنذار. واتخذت قراراً بإجراء عملية تكميم للمعدة، وهو قرار ساعدني على تغيير حياتي على يد أشهر طبيب يمارس هذه العملية، الدكتور وليد بخاري، الذي أجرى العملية لمشاهير كبار في العالم العربي، حتى أنني كلما لاقيته أشير إلى إحدى حالاته الناجحة، وأقول له ضاحكاً: «كممه البخاري».
عماد الدين أديب، نبيل شعيل، حسين الجسمي، ديانا كارازون، وغيرهم من الأسماء المعروفة، قرروا القضاء على السمنة ومنح رخصة جديدة لصحتهم، والابتعاد عن العذر التقليدي «لديّ شاسيه قابل للسمنة بلا حل».
السمنة مسألة كانت تأتي بالنكتة؛ إلا أن وراءها مصائب وأمراضاً وعللاً لا يمكن الاستهتار بها أبداً.
ملاحظة أخيرة ختم بها صديقي الطبيب حديثه معي، وقال لي: انظر معظم الناس كيف يتابعون مباريات كرة القدم بكروشهم وهم يدخنون الشيشة. الرياضة حينما لا تنعكس على الصحة بشكل إيجابي تتحول إلى ترفيه فقط.