د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

كثرة الأدوية على المريض.. ما السبب؟

شيء ربما مثير للامتعاض من قبل المريض، ومثير للدهشة لذويه، ولكنه واقع متقبل في الأوساط الطبية، تلك هي حالة «كثرة أدوية المريض» (Polypharmacy). وخلال العقود الماضية، توسعت معرفة الطب بالأمراض، وتوسعت المعرفة بكيفية معالجتها، وتوسعت من ثم أعداد وأنواع الأدوية التي على المريض أن يتناولها. وفي بريطانيا مثلا، تشير الإحصاءات الطبية إلى أنه في الفترة بين عام 2001 وعام 2011 ارتفعت معدلات كتابة الأطباء العامين (GP) الوصفات الطبية بنسبة 64%، وأن 22% من عموم الناس أصبحوا الآن يتناولون يوميا أكثر من 5 أصناف من الأدوية! وأن نحو 6% من الناس يتناولون 10 أنواع من الأدوية بشكل يومي! أي ما يمثل ارتفاعا بمقدار ثلاثة أضعاف مقارنة بما كان الحال عليه في عام 1995.
كما أن 45% من الوصفات الطبية تلك كانت لأشخاص أعمارهم فوق 65 سنة، وفي هذه الشريحة من عموم الناس، نحو 17% منهم يتناولون 10 أصناف من الأدوية في اليوم. ومعلوم أن هذه الفئة العمرية أكثر عرضة للمعاناة من الآثار الجانبية لأي دواء، وأكثر عرضة لحصول تعارض وتضارب بين مفعول الأدوية المختلفة بعضها مع بعض، وأكثر الفئات العمرية احتمالا للقيام بالخطأ في تناول جرعة الدواء أو الخطأ في توقيت تناوله أو الخطأ في السهو عن تناوله.
أهذه مشكلة؟ نعم، إنها مشكلة لأن البشر اليوم يتناولون أدوية علاجية بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ. هل لأنهم يمرضون أكثر؟ الجواب قطعا لا، وإلا لماذا هناك الطب ولم تقدم الخدمات الصحية والعلاجية إلا لغاية واحدة وهي تخفيف احتمالات إصابة الناس بالأمراض وتخفيف معاناتهم إياها والعمل على سرعة زوال البأس المرضي عنهم.
والسؤال البريء: منْ المسؤول عن وصول عدد أصناف الدواء التي على المريض تناولها بشكل يومي إلى هذه الأرقام المرتفعة والأرقام غير الواقعية والأرقام التي يصعب إتقان تناولها بـ«انتظام» كما يطلب الأطباء؟ هل المريض هو السبب أم منهجية المعالجة الطبية أو هي الأمراض التي لا يمكن علاجها إلا كذلك؟
والسؤال البريء الآخر: هل ثمة أدلة علمية على أن هذه الكثرة في أصناف الأدوية مفيدة على المدى البعيد للمريض؟ بمعنى أنه ربما ثمة إثباتات علمية على جدوى آحادها، ولكن هل هي مجتمعة مفيدة أو ضارة؟
لا توجد إجابات واضحة لدى الأوساط الطبية حتى اليوم، ولكنه «تضخم» علاجي دوائي وصلنا إليه، والإحصاءات تثبت ذلك. ومن الضروري معرفة السبب، ليس فقط لزوال العجب، بل لوضع حلول تجعل الأمر أبسط وأسهل على المريض كي يتعاون مع الأطباء في معالجة الأوضاع الصحية الراهنة والمستقبلية لديه. هذا ناهيك بالسؤال البديهي الآخر: منْ ينسق للمريض مجموعات الأدوية التي يتناولها؟ بمعنى لو أن مريضا بشرايين القلب يعالج عند طبيب القلب ويكتب له الأدوية اللازمة له وفق الإرشادات الطبية، ويتابع المريض عينه لدى طبيب السكري وطبيب المسالك البولية وطبيب النفسية، فمنْ ينسق بينهم في وصف الأدوية؟ ومنْ يراجع مدى ضرورة تناول المريض كل هذه الأصناف بشكل يومي؟ صحيح أن كثيرا من المرضى لديهم قائمة بالأمراض التي تنهش في أجسامهم ونفوسهم، وصحيح أن عدد مكونات القائمة تلك يرتفع بزيادة التقدم في العمر، ولكن ما هو واقع أيضا أن المريض ينتهي بقائمة طويلة من الأدوية. وهنا، فلربما أن عدم وجود «تنسيق» وتواصل بين الأطباء المعالجين هو سبب يجدر البحث فيه.
إن كثرة الأدوية ربما وجه آخر لضعف مستوى التنسيق في الممارسة الطبية للعملية العلاجية، وربما ناتج جانبي متوقع وإيجابي لتطور الطب في التخصصات المختلفة، وربما لا حيلة للأطباء في تفاديها، ولكن يظل المريض هو منْ يعاني وهو منْ قد يتعرض للخطر الصحي جراء تعامله اليومي مع «وجبات» من الأدوية.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]