ليونيل لورانت
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

حملة التطهير الكبرى لـ«بيتكوين»

تشكل الـ«بيتكوين» وعملات رقمية أخرى شريحة شديدة الضآلة من الاقتصاد العالمي. إلا أن هذا لا يعني أن الجهات التنظيمية باستطاعتها تجاهل موجات الاحتيال والتلاعب في الأسواق التي ترمي إلى اجتذاب المقامرين السذج واستغلالهم.
ومع تركز أنظار جهات إنفاذ القانون الأميركية في الوقت الراهن على تفحص الممارسات التجارية المتعلقة بهذه العملات مثل ما يطلق عليه «الانتحال» -ويُقصد به إصدار أوامر إلغاء غير قانونية وضخمة مصممة بهدف تحريك الأسواق على نحو معين- يبدو أن هذه تشكل بداية حملة تطهير مستدامة على صعيد العملات الرقمية. إلا أن اجتذاب المستثمرين نحو العودة من جديد، حتى ولو على أساس وعود بتوفير سوق أكثر نظاماً واستقراراً، سوف يستغرق فترة أطول مما يتوقعه المتحمسون تجاه التحركات الحالية من جانب الجهات التنظيمية.
في الواقع، شكّلت مسألة إجراء تحقيق بخصوص احتمالات التلاعب في الأسعار داخل مثل هذه الأسواق الخطوة التالية الطبيعية بالنسبة إلى السلطات، التي عززت جهودها على مختلف الأصعدة خلال الشهور الأخيرة، من مراقبة مبيعات «بيتكوين» حتى صناديق التحوط في العملات الرقمية. وأصدرت كل من لجنة تداول العقود الآجلة والسلع، وهيئة الأوراق المالية، والبورصات الأميركية، طلبات إلى الكثير من الشركات بإمدادها بمعلومات.
جدير بالذكر أنه تبعاً لـ«ساتيس غروب» الاستشارية، فإن ما يقرب من 81% من العروض الأولية للعملات الرقمية محض احتيال.
وتوجد غرف للدردشة يستغل من خلالها التجار العملات الرقمية التي يجري التداول فيها على نحو محدود. كما ظهرت اتهامات بوقوع أعمال «انتحال» خلال أعمال التداول، بمعنى أن يقْدم كيان ما على شراء وبيع الأمر ذاته. وتواجه بورصة «كوين بيس» الشهيرة اتهامات من عملاء بالسماح بأعمال مضاربة داخلية.
من ناحية أخرى، فإنه يحق لنا بطبيعة الحال التشكيك في سجل سلطات إنفاذ القانون في ما يخص سجن المتلاعبين، حتى بالنسبة إلى أولئك العاملين داخل الأسواق المالية التقليدية. جدير بالذكر أن الممارسة التي يطلق عليها «الانتحال» جرى تجريمها داخل الولايات المتحدة عام 2010 فقط، وصدر أول حكم إدانة بها عام 2015. وفي يناير (كانون الثاني)، أعلنت لجنة تداول العقود الآجلة والسلع إنشاء لجنة عمل جديدة معنية بمكافحة هذه الممارسة. وعليه، فإنه ليس هناك نموذج قائم لبناء قضية قانونية ناجحة ضد «الانتحال» -على سبيل المثال، ما يخص ما يمكن أن تعد هيئة محلفين مستوى مريب من أوامر الإلغاء.
إلا أن المؤكد أن السلطات ستمضي في تفحصها لعالم العملات الرقمية ومطالبتها بإقرار مزيد من الشفافية به، ومن شأن ذلك تقليص سعر «بيتكوين»، بل وكذلك الهالة المحيطة بها. حتى هذه اللحظة، لا نعرف «القيمة» الحقيقية لعملة رقمية ما -رغم وجود الكثير من الأهداف السعرية- إلا أن ثمة دلائل تشير إلى أن السعر مرتبط على نحو وثيق بالمنظومة العامة التي يجري التداول في إطارها. وخلصت ورقة بحثية نُشرت مؤخراً إلى أن الزيادة في أسعار «بيتكوين» بمقدار 10 أضعاف التي حدثت عام 2013 تمثل الدافع الرئيسي وراءها في نشاطات مريبة تورط فيها طرفان فحسب داخل سوق محدودة للغاية.
أما اليوم، فتبدو السوق مختلفة للغاية، في ظل وجود عدد أكبر من التجار والعملات والتداولات. ومع هذا، يبقى من المؤكد أن إقرار قدر أكبر من الشفافية سيترك تأثيراً ملموساً على السوق.
جدير بالذكر أن سعر «بيتكوين» وصل إلى أدنى مستوياته لأكثر عن شهر لدى نشر «بلومبيرغ» تقريراً عن التحقيق الجنائي الذي تجريه الولايات المتحدة.
الواضح أن انفجار فقاعة الـ«بيتكوين» أدى إلى حالة جمود طويلة مع تحول أنظار الجهات التنظيمية باتجاهه. والآن، ماذا سيحدث لاحقاً؟ يرى فريق من المتحمسين أن تنظيم السوق يشكل تطوراً إيجابياً ويوفر بيئة أكثر صحة ويمهد الطريق أمام تدفق أموال «وول ستريت» على أسواق العملات الرقمية.
إلا أن فكرة أن المستثمرين التقليديين الذين ينفرون بطبيعتهم من المخاطر الضخمة سيسارعون إلى القفز في سفينة الـ«بيتكوين» بمجرد شروع السلطات في استكشاف أعماقها، تبدو محض خيال. الحقيقة أن المنطق يشير إلى أن عملية التطهير الضرورية لأسواق العملات الرقمية سيكون لها ثمن على امتداد فترة قادمة.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»