حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الإمارات والقرار الجميل!

المنافسة في عالم الاقتصاد تفرض على اللاعبين الجادين مراجعة الخطط فوراً وتغيير الاستراتيجيات. وهناك يأتي دور الإداري الماهر والقيادي المحنك الذي يقرأ اتجاهات الريح المتغيرة، وبالتالي يدير دفعة المركب ويوجهها بالاتجاه الآمن السليم بكسب الجولة.
هذا ما فعلته حكومة الإمارات العربية المتحدة أول من أمس بإصدارها قرارات وصفت بالتاريخية، تقدم فيها تسهيلات عظيمة للموهوبين والمستثمرين، تتضمن رفع نسبة تملك الأجانب للشركات إلى 100 في المائة بنهاية السنة الجارية، إضافة لذلك تم إقرار منح تأشيرات الإقامة للمستثمرين والكفاءات والموهوبين لمدة عشر سنوات.
وهذا يعد إقرارا صريحا واعترافا عمليا بأن قواعد اللعبة تتغير، لأن المنافسة العالمية القوية والجادة تفرض نفسها وتسنّ واقعاً جديداً على الأرض. هناك فائض من الأموال وفائض من المواهب وفائض من العقول، وجميعها تبحث عن ملاذ آمن للاستثمار والعمل والابتكار والإنتاج، ولكنها تبحث أيضا عن الأفضل والأهم في منظومة توفر لها الحد الأدنى من الكرامة والأمان والاحترام والقانون والعدل والمساواة.
وهي مسألة لم تبدعها الإمارات العربية المتحدة، ولكنها استغلت بشكل فعال وملهم من لدن دول العالم الجديد مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا والبرازيل، وانعكست هذه القوانين على تلك الدول بالحراك الاقتصادي والاجتماعي الغاية في الإيجابية، وشهدت من خلاله طفرات ونهضات هائلة وكبيرة، وولدت نماذج ناجحة في مختلف المجالات، انبثقت شركات عظيمة تقود اقتصاد العالم اليوم. الإمارات تدرك تماماً أنها من المهم جداً أن تكون «سباقة» بخطوات في ساحة الاقتصاد المحموم، ولأن الدول تقاس بقدرة أنظمتها وقوانينها على التكيف مع الواقع الجديد الذي يفرضه العرض والطلب حول العالم، وبذلك تكون هذه الدول أكثر قدرة على التنافسية.
ظاهرة هروب الأموال Money Drain وهجرة العقول Brain Drain ظاهرة عالمية، فهناك دول وأنظمة تسن قوانين توضع باستمرار لجذب المواهب والاستثمارات بشكل مركز، واليوم بهذه القوانين «الجذابة» و«المغرية» تضع الإمارات العربية المتحدة نفسها بقوة تنافسية مع كبار الدول التي تبنت سياسات الإغراء للمال والمواهب والكفاءات، وهي «سوق» محمومة ومغرياتها لا تتوقف، ولكن عوائدها عظيمة على المجتمع والاقتصاد.
ويحسب للمشرعين في الإمارات العربية المتحدة نظرتهم السوية بعيداً عن العنصرية والتمييز والتفرقة، عملاً بأن «العوائد» الكبرى ستكون على الإمارات ككل، سواء أكان ذلك على الصعيد الاقتصادي أو الصعيد الاجتماعي. ليس غريباً أن تأتي هذه النوعية من القرارات الإيجابية والمرحبة والمبشرة من الإمارات العربية المتحدة، فلقد تعودنا على هذه النوعية من القرارات «السعيدة» منها.
كل الأمل أن تكون فاتحة شهية لسائر الدول العربية الأخرى أن تحذو نحوها منعاً من خروج المال وهجرة العقول، وهما نزف خطير يهدد السوية الاجتماعية والاقتصادية لمستقبل المنطقة.