دانا ميلبانك
TT

لا يعرف حقيقة السلام أحد أكثر من الضحايا الفلسطينيين

فيما يلي شاشة مقسمة لعصرنا الحاضر: في حين أن القوات الإسرائيلية كانت تقتل العشرات من المتظاهرين الفلسطينيين في غزة الاثنين الماضي، كان ممثلو إدارة الرئيس دونالد ترمب على مسافة 50 ميلاً في مدينة القدس، يحتفلون مع المسؤولين الإسرائيليين بافتتاح مبنى السفارة الأميركية الجديد هناك، ويشيدون بتفانيهم وإخلاصهم المشترك لأجل السلام.
وأعلن جون سوليفان، نائب وزير الخارجية الأميركي بأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس هو خطوة أكيدة على طريق السلام.
وقال جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي في الاحتفالية إن السلام صار في متناول أيدينا اعتباراً من الآن.
كما صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه يوم من أعظم الأيام لأجل السلام.
وفي واقع الأمر، لا يعرف المعنى الحقيقي للسلام سوى 58 صريعاً فلسطينياً من ضحايا ذلك اليوم إلى جانب 2700 من المصابين، وتجدد الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل، والمنطقة بأسرها المشتعلة بالصراعات والحلف الأميركي المترنح في المنطقة كذلك.
والسيد كوشنر، الذي ذكر الحضور بأنه مسؤول شخصياً عن جهود الرئيس ترمب للسلام، استغل تصريحاته في شجب الجانب الفلسطيني، وقال: «كما رأينا من الاحتجاجات الكبيرة في الشهر الماضي وحتى اليوم، فإن أولئك الذين يثيرون أعمال العنف هم جزء لا يتجزأ من المشكلة وليسوا جزءاً من الحل بأي حال». وفي العاصمة واشنطن، رفض المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض الانضمام إلى الحلفاء الذين يحضون إسرائيل على ممارسة ضبط النفس في الأراضي المحتلة.
كان من الممكن لخطوة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس أن تكون لحظة من لحظات الوحدة والأخوة. ولكن بدلا من ذلك، صارت رمزاً للفرقة والانقسام والعداء. وكان من الممكن أن تتحول تلك الخطوة إلى حجر الزاوية في أي اتفاق قادم للسلام، كما كانت تأمل الحكومات الأميركية بشقيها الجمهوري والديمقراطي من قبل. وعوضاً عن ذلك أيضاً، فإنها قد عصفت بكل آمال السلام لحل الدولتين المتجاورتين.
ولقد أحجم أغلب الحلفاء الأوروبيين عن حضور تلك الاحتفالية. ولم يكن هناك من أعضاء الكونغرس الأميركي سوى 14 عضواً فقط، وكلهم من أعضاء الحزب الجمهوري مع عضو يهودي واحد فقط. ولقد وبخ الحزب الجمهوري نظيره الديمقراطي لغيابه عن الاحتفال، في حين أن الحزب الديمقراطي رد على ذلك بأن أعضاءه لم يتلقوا دعوات رسمية بالحضور. وقال النائب تيد دوتش (الديمقراطي من فلوريدا)، وهو من مؤيدي نقل مبنى السفارة الأميركية إلى القدس، في بيان رسمي: «كم كنت أود لو أمكنني حضور مثل هذه الاحتفالية التاريخية بنقل السفارة، ولكن على الرغم من التواصل المستمر مع الإدارة الأميركية لم أتلق دعوة رسمية بالحضور برفقة الوفد الأميركي الرسمي هناك».
وبالنظر إلى الجمع الحاضر، كانت الفعالية عبارة عن حملة موجهة أكثر من كونها احتفالاً دبلوماسيا. ولقد أشاد ديفيد فريدمان، السفير الأميركي لدى إسرائيل، بالرؤية والشجاعة والوضوح الأخلاقي للشخص الوحيد الذي ندين له بالعرفان الكبير والامتنان لأجل هذه الاحتفالية، ألا وهو الرئيس الأميركي دونالد جيه. ترمب.
الوضوح الأخلاقي يقول! وهذا ليس كل شيء: إذا واصل السفير الأميركي قوله: «أعتقد أن الرئيس أبراهام لينكولن يبتسم إلينا الآن، لأن رئيسا جمهوريا عظيما آخر، دونالد جيه. ترمب، قد افتتح سفارتنا في القدس».
ولقد أعلن بنيامين نتنياهو بكل تفان وإخلاص أن الرئيس ترمب قد صنع التاريخ اليوم، وتقدم الزعيم المسيحي جون هاغي بشكره إلى الرب القدير لشجاعة الرئيس دونالد ترمب، كما أشاد الكاهن روبرت جيفريس بزعامة الرئيس ترمب، وإصراره، وعزمه، وشجاعته، وعرض رؤيته الشخصية عن الرب القدير بأنه من جعل دونالد ترمب يقف إلى جانب الحق منكم!.
وأظهر استطلاع الرأي الذي أجري العام الماضي أن لجنة (آيباك) قد خلصت إلى أن اليهود الأميركيين، ونسبة 21 في المائة منهم فقط هم الذين يفضلون دونالد ترمب، كانت تعارض وبأغلبية ساحقة بلغت 68 في المائة، قرار النقل الفوري للسفارة الأميركية إلى القدس.
وربما أدرك اليهود الأميركيون أن ترمب، وجوقة المسيحيين اللاهوتيين الذين يحركون سياساته، يدفعون إسرائيل بعيداً عن الديمقراطية والأمن. وربما أنهم غير واثقين تماماً بمزاعم «السلام»، ولا سيما عندما يشهدون بأعينهم خلاف تلك المزاعم في واقع الأيام.
*خدمة «واشنطن بوست»