مات سينغ
TT

بريطانيا لن تعود لأحضان الاتحاد الأوروبي

خارج حدود المملكة المتحدة، ثمة افتراض شائع بأن البريطانيين يشعرون بالندم إزاء قرارهم الرحيل عن الاتحاد الأوروبي، بل ولمح عضو البرلمان الأوروبي غاي فيرهوفشتان في وقت قريب إلى أن المملكة المتحدة ربما تعاود الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ذات يوم.
والملاحظ أن البعض داخل المملكة المتحدة يتشبثون بهذه الفكرة. ويأتي كل هذا على الرغم من عدم وجود أدلة على أرض الواقع تدعم هذه الفكرة.
الملاحظ أنه منذ إجراء استفتاء «بريكست» في يونيو (حزيران) 2016، عمد أعضاء معسكر البقاء داخل الاتحاد الأوروبي إلى استكشاف جميع السبل الممكنة لإبقاء بريطانيا به. وجرى حديث حول بناء حزب سياسي جديد ينتمي إلى تيار الوسط وموالٍ للاتحاد الأوروبي على غرار حزب «الجمهورية إلى الأمام» الذي يتزعمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وظهر سيل من التقارير المستمرة حول ظهور أحزاب جديدة مؤيدة للاتحاد الأوروبي -كان أحدثها حزب يتزعمه سيمون فرانكس، صاحب شركة «لوف فيلم إنترناشونال ليميتد»، بإجمالي تمويل بلغ 50 مليون جنيه إسترليني (72 مليون دولار).
وحتى مع توافر ميزانية ضخمة، قياساً إلى المعايير غير الأميركية، تبقى مسألة تدشين حزب سياسي جديد صعبة. جدير بالذكر أن النظام الانتخابي داخل المملكة المتحدة يدعم بوجه عام الأحزاب الأكبر التي تتميز بقاعدة تأييد متنوعة جغرافياً -مثلما الحال مع حزبي العمال والمحافظين. وخلال الانتخابات العامة التي أُجريت عام 2015، حصد حزب استقلال المملكة المتحدة المناهض للاتحاد الأوروبي 3.9 مليون صوت، ومع هذا فاز بمقعد واحد فقط داخل مجلس العموم المؤلف من 650 عضواً.
وتوحي نتائج استطلاعات الرأي بأنه حال عُقد استفتاء ثانٍ حول عضوية الاتحاد الأوروبي، ستأتي النتيجة قريبة من الأولى، لكنها أوضحت عدم وجود تأييد واسع لفكرة عقد استفتاء جديد حول الأمر.
من ناحية أخرى، خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، انطلقت حملة تشمل أحزاباً عدة تدعو لعقد استفتاء حول اتفاق «بريكست» النهائي قبل إقدام بريطانيا بالفعل على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. ومن المفترض إجراء ذلك الاستفتاء المدعو إليه في 29 مارس (آذار) 2019. بينما افترضت غالبية استطلاعات الرأي إمكانية إجراء استفتاء لوقف «بريكست» قبل ذلك الموعد. والتساؤل هنا: كيف سيكون شعور البريطانيين حول إمكانية تحويل مسار قطار «بريكست» إلى الاتجاه المعاكس بعد حدوثه بالفعل؟
من جانبنا، أجرينا استطلاعاً حول الأمر بين 27 مارس و5 أبريل (نيسان) حول هذا السؤال، وطرحناه على 1037 شخص يحق لهم التصويت عبر أرجاء المملكة المتحدة. وللتأكد من دقة العينة، سألناهم كيف جاء تصويتهم خلال استفتاء «بريكست» والانتخابات العامة 2017. وعكست النتيجة نتائج الاستفتاء والانتخابات. وطلبنا من المشاركين تخيّل أننا في عام 2020 وأن بريطانيا الآن غادرت الاتحاد الأوروبي. في إطار ذلك الموقف، كيف ينوون الإجابة عن الأسئلة التالية:
هل ينبغي لبريطانيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟ في النتائج، أجاب 47% بالرفض، بينما قال 31% إن على بريطانيا معاودة الانضمام إلى الاتحاد، بينما ظلت نسبة الـ22% المتبقية دون قرار واضح.
وجاء هامش الـ16% ضد معاودة الانضمام نتاجاً للمجموعات المختلفة التي ينقسم إليها الناخبون الذين صوّتوا لصالح الانفصال. من بين مَن صوتوا لصالح «بريكست»، أبدى 84 معارضتهم للانضمام مجدداً للاتحاد الأوروبي، مع تأييد 4% فقط للفكرة. ومن بين مَن صوّتوا في الأصل ضد «بريكست»، قال 61% فقط إنهم سيؤيدون معاودة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مع إعلان 16% تفضيلهم عدم تبديل مسار القرار الأصلي.
أما مَن لم يصوّتوا عام 2016 (بمن في ذلك مَن كانوا في سن صغيرة لا تسمح لهم بالتصويت)، فقد انقسموا بالتساوي بين الانضمام وعدم الانضمام وعدم حسم قرار واضح.
ومن بين أبرز النقاط التي سلّط استطلاع الرأي الضوء عليها الصلة القائمة بين الآراء إزاء «بريكست» والانتماء الحزبي. بين ناخبي حزب العمال عام 2017، قالت نسب مقاربة للغاية إنها سوف تدعم معاودة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (71%) مقارنة بمؤيدي الانفصال الذين قالوا إنهم يعارضون معاودة الانضمام (72%)، إلا أنه في أوساط المحافظين، قال 40% من مؤيدي البقاء داخل الاتحاد إنهم سيؤيدون معاودة الانضمام إليه، مقابل 91% من مؤيدي الانفصال قالوا إنهم سيعارضون هذه الخطوة.
وبذلك يتضح أن من يأملون في بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي ربما أمامهم فرصة أكبر لإقناع الرأي العام بوقف عجلة «بريكست» عن حثهم على معاودة الانضمام إلى الاتحاد حال الانفصال عنه بالفعل لاحقاً. وعليه، فإن أي حملة مستقبلية مؤيدة للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي عليها بذل جهود أكبر بكثير، خصوصاً في صفوف الناخبين المؤيدين لحزب المحافظين، حتى تخلق أمامها فرصة حقيقية للنجاح في مساعيها.

- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»