طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

جحا ولحم ثوره... حكاية سيئة!

قبل نحو 30 عاماً قرر اتحاد الفنانين العرب الوليد تقديم مسرحية تعبر عن تطلعات عالمنا العربي، ونبتت فكرة مسرحية «واقدساه»، كاتب (مصري) يسري الجندي، ومخرج (تونسي) المنصف السويسي وممثل (عراقي) عزيز خيون، وتعددت الجنسيات بين السعودي، والسوداني، والمغربي وغيرها، وكأننا بصدد جامعة دول عربية، ونجح العرض في التمثيل السياسي، وحقق فشلاً ذريعاً في التمثيل الفني!
الهدف كان هو الحشد العربي، مع الزمن وبخاصة في الأعمال الدرامية، بات تواجد الكثير من الجنسيات العربية في عمل واحد هو القاعدة وليس الاستثناء، ورغم ذلك وفي كواليس نقابة الممثلين المصريين يتردد هذا السؤال، رغم أنه من المفروض قد مات وشبع موت، على الأقل منذ عشر سنوات، إلا أن هناك من منحه مجدداً قبلة الحياة، فلا يزالون يتساءلون، أحياناً في جنون، عن أسباب كثرة تواجد الفنان العربي على الخريطة الدرامية في المسلسلات المصرية، حيث لمعت أسماء من تونس، ولبنان، والأردن، وسوريا، والأردن وغيرها، مثل هند صبري، وجمال سليمان، وإياد نصار، وباسل خياط، وياسر المصري، وهيفاء وهبي، ومنذر رياحنة، وظافر العابدين، وصبا مبارك، وكارمن لبس، وسوزان نجم الدين، وسولاف فواخرجي، وتيم حسن وغيرهم، الحكاية ليست وليدة هذا الزمن، لكنها متغلغلة في طبيعة الإنتاج الفني، منذ البداية في زمن سينما «الأبيض والأسود»، ومع الانتشار الفضائي أصبح التواجد العربي هو الذي يحرك المنظومة الفنية كلها، اتسعت الرقعة لتصبح عربية، فكان من المنطقي أن يقفز الفنان فوق حاجز الجغرافيا.
مع الأسف، عدد قليل من محدودي الموهبة، يعتقدون أن تواجدهم في الساحة الفنية مرهون بابتعاد عدد من الفنانين العرب، من ينظر تحت أقدامه يرى أنهم يزاحمونه في أكل العيش، مرددين «جحا أولى بلحم ثوره»، حاولوا في الماضي إصدار قرار متسرع وغير مدروس لتحجيم تواجد الفنان العربي في مصر بحجة إتاحة الفرصة للفنان المصري. كان القرار يعوزه ليس فقط الرؤية السياسية، التي تؤكد أن مصر هوليوود الشرق، لكن أيضاً غاب عنه البعد الاقتصادي؛ لأن المسلسلات التي يشارك فيها فنان عربي، لها مردودها التسويقي في البيع للفضائيات، قلت يومها في أحد البرامج على الهواء، إنه سيسقط فور صدوره؛ فهو ولد ليموت، لا أحد من حقه أن يصادر مشاعر الناس، التي توجهها بوصلة الإحساس.
في كل المجالات نستمع إلى مثل هذه النعرات التي تعبّر عن مصلحة صغيرة تحاول أن ترتدي ثوباً فضفاضاً، بدعوى أن دور النقابات هو الدفاع عن المنتج المصري، هل الفن الذي يخاطب الوجدان من الممكن أن ينطبق عليه قانون البضائع محلي ومستورد؟
في الماضي، أقصد زمن التلفزيون الأرضي، كان يكفي المسلسل العرض في نطاق بلد الإنتاج، الآن صار هناك أكثر من جهة عربية لها رأي ينبغي مراجعته، عصر الفضاء فرض قانونه الجديد على الجميع.
وبالطبع، من الممكن أن ننتقد فناناً عربياً يؤدي دوراً مصرياً، ليس لكونه عربياً، لكن لتعثره في الأداء، مثلما أخفق جمال سليمان قبل أربع سنوات، في أداء دور جمال عبد الناصر في مسلسل «الصديقان»؛ لأن اللهجة أفلتت منه، بينما نجح في رمضان الماضي الأردني ياسر المصري، في أداء دور ناصر في مسلسل «الجماعة2»، ويومها صرخ أحد الممثلين المصريين قائلاً أنا أولي بدور ناصر، وجاءت صرخته «فشنك». إنهم يعيدون مرة أخرى حكاية جحا وثوره، وما أسوأها من حكاية!