د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

حوكمة الشركات والاستثمار الأجنبي في «تداول»

تم إقرار نظام حوكمة الشركات في المملكة العربية السعودية في عام 2006 بعد أن عصفت بالسوق السعودية أكثر من عاصفة اهتز بسببها استقرار السوق، وانخفض بعدها مؤشر السوق لأقل من النصف، وتكشفت حينها عشرات الحالات التي وضحت حجم التلاعب وعدم الالتزام باللوائح. تدخلت حينها الحكومة السعودية ممثلة بهيئة سوق المال وأقرت نظام حوكمة الشركات، والذي يهدف إلى تدخل الحكومة في الشركات المساهمة بفرض أنظمة ولوائح صارمة، تهدف إلى حماية المساهمين والمستثمرين في الشركات المدرجة.
ومن ضمن أنظمة حوكمة الشركات المطبقة، إفصاح كبار المساهمين عن أي عملية بيع أو شراء، ذلك أن أسعار الأسهم تتأثر بهذه العمليات. كما أقرت هيئة سوق المال عدد أعضاء مجالس الإدارات، وأن تكون أغلبية أعضاء مجلس الإدارة من غير التنفيذيين. إضافة إلى ذلك، أقرت هيئة سوق المال تواجد أعضاء مستقلين في مجلس الإدارة، يمثلون صغار المساهمين، ولا تقل نسبتهم عن ثلث أعضاء المجلس. كما أقرت عددا من الأنظمة واللوائح التي تختص بالتنظيم الداخلي للشركات كالتدقيق المالي وغيره.
وهدفت هيئة سوق المال حينها إلى تشجيع دخول المستثمر الأجنبي إلى سوق الأسهم السعودية بفرض أنظمة واضحة تضمن حقوق المستثمرين. وتغيرت أنظمة المستثمرين الأجانب في السوق السعودية بشكل تدريجي، حتى وصلت إلى ما عليه الآن، ويحق للمستثمر الأجنبي التملك في أي شركة سعودية على ألا تزيد نسبة ملكيته على 10 في المائة من الشركة، وألا تزيد نسبة الملكية الأجنبية على 49 في المائة من إجمالي الأسهم المطروحة. وحتى الآن، تبلغ حصة المستثمرين غير السعوديين في سوق تداول أقل من خمسة في المائة، أي 75 مليار ريال تقريبا، وهو رقم خجول ولا شك، خاصة بعد هذه المدة، وبعد التعديل المستمر في أنظمة السوق المالية لتسهيل دخول المستثمرين الأجانب. وتهدف المملكة إلى رفع هذه النسبة لتصل إلى 25 في المائة، أي ما يقارب 350 مليار ريال. ولعل انضمام السوق السعودية إلى تصنيف «فوتسي راسل» البريطاني في نهاية شهر مارس (آذار) من هذا العام يساعد في التسويق للسوق السعودية على المستوى العالمي. إلا أن السؤال المطروح هنا هو هل تكفي هذه الخطوات للوصول بالملكية الأجنبية في السوق السعودية إلى المستوى المطلوب؟
توضيح أنظمة حوكمة الشركات في المملكة، والتأكيد للمستثمر الأجنبي من قوة وصلابة النظام القانوني في حماية المستثمرين، لعل فيها شيئا من التسويق للمستثمر الأجنبي لدخول سوق تداول. ويتخوف الكثير من المستثمرين من الدخول في الأسواق الناشئة بسبب ضعف أنظمة الحماية القانونية، ولأجل ذلك يجب التوضيح لهم أن حقوقهم محمية في السوق السعودية. وتأتي أهمية هذا الموضوع في الوقت الحالي تزامنا من تخطيط الحكومة السعودية طرح أسهم شركة أرامكو للاكتتاب العام في المملكة. وتبلغ قيمة الاكتتاب 100 مليار دولار (ما يقارب 380 مليار ريال)، ذلك إذا تم طرح خمسة في المائة من أسهم الشركة البالغ تقييمها تريلوني دولار. وتشكل قيمة اكتتاب أرامكو ما يقارب 20 في المائة من قيمة السوق السعودية البالغة 1.7 تريليون ريال. وهي قيمة كبيرة ولا شك، وتزيد بكل تأكيد أهمية دخول المستثمر الأجنبي في السوق السعودية.
وقد يكون هذا التوقيت مناسبا لتسويق «تداول»، فالسوق السعودية تمر بمرحلة انتعاش في الوقت الحالي، ومؤشرها ارتفع إلى مستويات لم تصلها منذ أكثر من عامين، واستغلال طرح أرامكو في السوق السعودية يجب أن يكون إيجابيا في جلب رؤوس أموال جديدة للسوق السعودية وذلك لأهداف عدة، منها ضمان استقرار السوق بعدم انجراف السيولة من الشركات الأخرى إلى أرامكو. سوق تداول ستكون محط أنظار العالم حالما يتم إقرار طرح أرامكو للاكتتاب، وحينها يجب أن تكون هيئة سوق المال، وشركة تداول، جاهزتين للتركيز الإعلامي الذي سينصب على هذه السوق، فهذه الجاهزية قد تكون علامة فارقة في نجاح جذب المستثمرين الأجانب للسوق السعودية، وهو من مصلحة هذه السوق بلا أدنى شك.