د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

آخر محطات الجولة الخارجية

انتهت قبل أيام الجولة الدولية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهي جولة ماراثونية شملت خمس دول، وتم خلالها توقيع العشرات من الاتفاقيات بين المملكة وبين هذه الدول في مجالات متعددة، كما اتضح في هذه الجولة حرص ولي العهد على تعريف دول العالم بالرؤية السعودية، وتوضيح الفرص الاستثمارية في المملكة. وجود مسؤول ذي صفة عالية مثل الأمير محمد بن سلمان كان ضرورياً في هذه الخطوة تحديداً، ذلك أن أهم ما يحرص عليه المستثمرون قبل الإقدام على الاستثمار في أي دولة، هو وجود ضمانات حكومية تؤكد الاستقرار الاستثماري، ويتضح أن الإشراف المباشر من ولي العهد على هذا الملف كان ذا أثر إيجابي، فالكثير من الشركات وقعت اتفاقيات نهائية لدخول السوق السعودية خلال هذه الجولة. وانتهت هذه الجولة بزيارتين لفرنسا وإسبانيا، تم خلالهما الاتفاق على مشاريع ثقافية وتعليمية بين المملكة والدولتين.
لعل أبرز مذكرات التفاهم الموقعة بين الطرفين السعودي والفرنسي، تلك التي تختص بالاستثمار في مدينة العلا الأثرية، والمملكة بشكل عام، والعلا بشكل خاص، لم تستثمر سياحياً بالشكل المطلوب، وتحتوي المملكة العربية السعودية على إرث تاريخي من المعالم الأثرية الممكن استثمارها سياحياً بشكل فعّال، وقد أعلنت مجلة «نيشتر» العلمية مؤخراً عن اكتشاف أحافير لبشر عاشوا في الجزيرة العربية قبل ألف سنة، وضح هذا الاكتشاف أن المملكة فعلاً غير مستكشفة بشكل كاف من الناحية الأثرية والتاريخية. إضافة إلى ذلك، ومع وفرة المعالم الأثرية في المملكة، فإن معظم هذه الآثار غير مستثمرة بشكل فعلي للسياحة، ويصعب الوصول إليها حتى على بعض المواطنين، ناهيك عن السياح من خارج البلد. ولمدائن صالح تحديداً الواقعة في منطقة العلا حظ وافر في الفرص السياحية، فهي تشترك مع مدينة البتراء في الأردن التاريخية، فالمدينتان هما من حضارة الأنباط التي تعود إلى عصور ما قبل الميلاد، وتجذب مدينة البتراء في الأردن ما يزيد على نصف مليون سائح سنوياً، وهي أحد المعالم الرئيسية للسياحة في مملكة الأردن، وإحدى عجائب الدنيا السبع. ولذلك فإن الاستثمار في السياحة في منطقة العلا مجدٍ بلا أدنى شك. وقوع الاختيار على فرنسا كشريك للاستثمار في قطاع السياحة التراثية لم يأت من فراغ، فلفرنسا إرث تاريخي كبير في البحث والتنقيب عن الآثار، وتتعدى ذلك كونها قاعدة علمية أكاديمية قديمة في علم الآثار، فالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية أسس في عام ، وهو معهد مختص بالآثار، ويتبع لوزارة التعليم العالي في فرنسا. وللفرنسيين أيضاً خبرة واسعة في استثمار الآثار في القطاع السياحي، ليس على مستوى فرنسا فقط، بل على مستوى العالم أيضاً.
وبعيداً عن الآثار، فقد استمرت «أرامكو» في استثماراتها العالمية خلال الزيارة لفرنسا، ووقعت «أرامكو» مع شركة «توتال» الفرنسية مذكرات تفاهم بما يقارب خمسة مليارات دولار، وذلك لأعمال توسعية في منظومة حالياً تتشارك فيها «أرامكو» و«توتال»، ويخطط أن تبدأ الأعمال في هذه الاستثمارات بداية الربع الثالث من هذه السنة، أي بعد أشهر قليلة. ومما لا شك فيه أن في الاتفاقيات المتعددة التي وقعتها «أرامكو»، سواء في فرنسا أو في الولايات المتحدة، إعلاناً عن ضخامة هذه الشركة، وهو إعلان يفيد «أرامكو» كثيراً من الناحية التسويقية قبل الطرح العام للاكتتاب.
لجولة ولي العهد الخارجية أهمية بالغة على عدة مستويات، السياسي منها والاقتصادي، والعدد الكبير من الاتفاقيات الموقعة هو نتاج إيجابي واضح لهذه الزيارة، ولم تتضح حتى الآن نتائج هذه الزيارة بشكل كامل، فهناك عدد كبير من مذكرات التفاهم التي تم توقيعها الآن، وفي طور دراسة الجدوى، وهذا أمر طبيعي، فالاتفاقيات التي تم توقيعها خلال هذه الجولة هي نتاج لمذكرات تفاهم بين المملكة والأطراف الأخرى خلال أواخر العام الميلادي المنصرم. ولذلك فالمتوقع خلال هذا العام ظهور اتفاقيات جديدة بين المملكة والدول الغربية الأربع (بريطانيا وأميركا وفرنسا وإسبانيا). ولم تنحصر هذه الاتفاقيات على النطاق النفطي والنطاق العسكري فقط، بل شملت اتفاقيات في مجالات الطاقة والصناعة ونقل العلوم والتقنية والتعليم والنقل وغيرها. وهي اتفاقيات ترمز للرؤية السعودية التي لا تحصر المملكة في القطاع النفطي فقط. كما أنها اتفاقيات تزيد من عمق المملكة الاستراتيجي، وذلك بوجود استثمارات فيها عدة دول، وبوجود مصالح اقتصادية لكبرى دول العالم خارج إطار النفط.