حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

سوريا: الجريمة الأساسية لا تزال قائمة!

اللغة العربية غنية وساحرة وآسرة، وفيها من القدرات والإمكانيات لتسخير المعاني والمفاهيم بشكل مدهش. وكما قيل، صدقاً وحقاً، في الأثر إن من البيان لسحراً؛ ولا مشهد يحظى بهذا الوصف مثل المشهد الإعلامي السياسي العربي.
ولا أحد لديه القدرة على التفنن باللعب بالكلمات والألفاظ وتوظيفها لتهييج الرأي العام. الحديث الآن عن الاعتداء الغاشم من قوى الشر على سوريا، وأن الاعتداء بمثابة انتهاك صارخ لشرف الأمة وعرضها؛ كلام كبير جداً، ويكاد المتلقي يصدق هذا الكلام لولا أنه يدرك تماماً أنه غير مقصود، وأن قائله وأنصاره اقترفوا الجريمة تلو الأخرى ضد شعبهم وشعوب المنطقة. أو ليس القوى القومية الثورجية هي ذاتها التي كانت تهلل وتطبل وتتراقص على أنغام التدخل العسكري الناصري في اليمن، وبعد ذلك الاحتلال السوري للبنان، وتهديد نظام البعث بالتدخل العسكري ضد الأردن، ومجازره ضد القوى الفلسطينية في لبنان، والغزو الصدامي للكويت، وتبعات ذلك التي لا نزال تعاني منها؟! لم تنطق هذه الألسنة بالانتقاد ولا الشجب ولا الامتعاض.
بشار الأسد، وأبوه من قبله، تفننا في اغتيال وتهجير واعتقال الشعب السوري؛ كل ذلك دون عقاب صريح من المجتمع الدولي، بل تحت حماية صريحة منه، ولم «يتحرك» هذا المجتمع إلا بـ«ضربات» مسرحية معدة ومنسقة سلفاً، وتم فيها كسر عنصر المفاجأة والمباغتة، ففقدت عنصر الفاعلية، وبالتالي لم يكن هناك أي ضرر للنظام، وعلى العكس استغلها إعلامه ليروج لانتصاره، كما فعل من قبله صدام حسين في «أم المعارك»، والإرهابي حسن نصر الله في «النصر الإلهي»، ليكتفي الخطاب الإعلامي المقاوم باستحداث مصطلحات خالدة، مثل: العلوج البرغش والحشرات والجرذان، لوصف كل المعترضين على جرائم الأنظمة بحق شعوبهم.
الحقيقة المرة التي لا يرغب في مواجهتها القومجية العرب أن سوريا تتعرض للإبادة اليوم على أيدي النظام السوري؛ النظام الطائفي الأقلوي البغيض، الذي سن في العالم سنة الجمهورية الوراثية داخل الطائفة والعائلة الواحدة، وأتى بحماية غير عربية وطائفية من إيران وميليشياتها الإرهابية في المنطقة، وعلى رأسها تنظيم «حزب الله»، ولم يكن ذلك وليد اللحظة، فالنظام أعلن انسلاخه عن الإجماع العربي الذي أيد العراق في حربه ضد إيران، وكان النظام السوري الوحيد الذي أيد إيران، وطبعاً عرف بعد ذلك السبب، وهو الطائفية المشتركة التي تبينت تبعاتها لاحقاً.
ارتكب النظام مجموعة من الجرائم ضد شعبه وشعوب المنطقة يسيل لها الجبين، وكل ذلك يحصل وسط الصمت العربي المطبق (وكذلك المجتمع الدولي الذي أدار وجهه عن جرائم الأسد، ومنح له الخط الأخضر لاحتلال لبنان بالكامل، مقابل المشاركة في قوات تحرير الكويت ومؤتمر مدريد للسلام). وبدأت أطماع النظام تزداد، وأصبح يغتال الشخصيات السورية واللبنانية والفلسطينية التي تغرد خارج سربه، الواحد تلو الآخر كأسراب الحمام المتساقطة. كل ذلك وسط مباركة عربية صامتة. الصواريخ التي ضربت بعض مواقع جيش الأسد في سوريا لم تكن أشد إيلاماً من مذابح الأسد في حماة أو تدمر ودير الزور وحمص وحبل وجسر الشغور وغيرها. المشهد السوري «الحالي» لا يمكن الحكم عليه وحده دون مراجعة كاملة لجرائم نظام مارس بحق شعبه كل الجرائم المتخيلة التي تفوق الوصف والشرح.
قتل السوري على يد نظامه، والسكوت عن ذلك لمدة تزيد على أربعة عقود هي الجريمة العار التي يتحملها كل العرب، فلا يمكن أن يكتب النصر لنظام هزم شعبه وأذله وأهانه وقتله وشرده وجرحه ونكل به بكل الوسائل. عندما تدرك هذه الحقيقة، ويتم الخلاص من هذا السرطان، وقتها تكون لسوريا الكرامة والعزة، لأن المواطن فيها يكون قد تحرر.