ليس هناك شك مطلقاً في الكيفية التي يرى بها الرئيس دونالد ترمب خطة العمل الشاملة المشتركة الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني. لقد وصفها بأنها أسوأ اتفاق أُبرم على الإطلاق. وصرح بأنه إذا لم يتعامل الأوروبيون مع مخاوفه بشأن الصواريخ الباليستية وتفتيش المنشآت العسكرية وبنود انتهاء الصلاحية، فسوف ينسحب من الاتفاق في مايو (أيار). وفيما يخص بنود انتهاء الصلاحية، التي تشير إلى القيود التي يفرضها الاتفاق النووي حتى عام 2030 على أجهزة الطرد المركزي الإيراني (بخصوص كل من العدد والنوع) والإنتاج المسموح لها به من المواد المخصبة، يرغب ترمب في ألا تنتهي هذه القيود بل تستمر.
إن مخاوف الرئيس مشروعة. وتعطي رغبة الأوروبيين في الحفاظ على الاتفاق النووي للبريطانيين والفرنسيين والألمان حافزاً لمعالجة القضايا التي يثيرها ترمب. يمكن متابعة واحدة من تلك القضايا، وهي التفتيش على المنشآت العسكرية، إذا حددت الإدارة المواقع المشتبه بها مع أدلة تدعم هذه الشكوك؛ فإذا رفض الإيرانيون السماح بدخول الموقع المشكوك فيه، حينئذ، فسيخالفون التزاماتهم. ومن هذا المنطلق، يرجع الأمر إلى إدارة ترمب في طرح المواقع التي ترغب في أن تخضع للتفتيش. ومن المرجح أن يثير الأوروبيون هذه النقطة.
أما بالنسبة للقضيتين الأخريين، بذل مساعٍ للحد من صواريخ إيران الباليستية وبنود انتهاء الصلاحية، فكلتاهما كانت جزءاً من المفاوضات التي أدّت إلى الاتفاق. فيما يخص الصواريخ الباليستية، فرفض الإيرانيون أي قيود، وقررت الولايات المتحدة والأعضاء الآخرون في مجموعة 5+1 إبرام الاتفاق على أي حال اعتقاداً منهم بأن فرض قيود على أجهزة الطرد المركزي والمواد المخصبة بالإضافة إلى التحقق من البنية التحتية النووية الإيرانية بأكملها أهم من أن يتخلوا عنها. وكذلك تمت الموافقة على بنود انتهاء الصلاحية، ولا شك في أن الإيرانيين سوف يطالبون بتعويض مقابل إجراء أي تعديل على تلك البنود. ومن المفترض أن يكون ذلك الوصول إلى حسابات دولارية في الولايات المتحدة مما يجعل تمويل المشروعات الأجنبية أيسر كثيراً.
يصبح السؤال هو إلى أي مدى يرغب الأوروبيون في السعي إلى معالجة مخاوف الرئيس ترمب. إنهم يرغبون بوضوح في الحفاظ على الاتفاق النووي، ويعلمون أن الإدارة لن تقبل بتعويض الإيرانيين عن رفع بنود انتهاء الصلاحية أو تعديلها، أو عن موافقة الإيرانيين على التراجع عن تجارب الصواريخ الباليستية. بيد أن الأوروبيين يعلمون كذلك أن روسيا أو الصين لن تدعما مساعيهم للوصول إلى ترتيبات تكميلية من دون تعويض الإيرانيين. وبالتالي يتعرض الأوروبيون لمأزق.
ولكن يمكن أن يكون هناك بديل مثير للاهتمام بدلاً من السعي إلى الوصول إلى اتفاقات تكميلية تستدعي موافقة إيرانية (وروسية وصينية)، قد يقترح الأوروبيون اتفاقاً أميركياً - بريطانياً - فرنسياً - ألمانياً، نلتزم جميعاً بموجبه بمراقبة الاتفاق النووي في صورته الحالية، مع إخطار الإيرانيين بأننا سوف نحتفظ بحق فرض عقوبات جديدة بعد عام 2030 إذا عمل الإيرانيون على زيادة إنتاجهم من اليورانيوم المُخَصب وعلى الحصول على مخزون من المواد المُخَصبة بطريقة تُقَلص زمن تجاوز العتبة النووية إلى أقل من عام. لا شك في أن الإيرانيين سوف يدينون هذه الخطوة، وسيقولون إن تنازلاتهم تمّت بناء على الجدول الزمني لتلك القيود الذي يستغرق 15 عاماً، وإن استعدادهم لمواصلة قبول إجراءات تفتيش تدخلية لما يصل إلى عشرة أعوام إضافية كان أيضاً جزءاً من تفاهمات أوسع نطاقاً. ولكن قد تشير الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى أنهم لا ينسحبون من الاتفاق، بل يُخطرون إيران ببساطة بشأن رأيهم الجماعي، وأن الإيرانيين يجب أن يدركوا أن تقليص زمن تجاوز العتبة النووية سيُعد تهديداً. وقد يتخذ الأميركيون والأوروبيون رداً حينئذ.
ونظراً لأن مثل هذا التوجه لن يسمح بالضرورة بفرض عقوبات جديدة بعد عام 2030. يمكن أن تقرر إدارة ترمب أنه ليس صارماً بما يكفي وتطالب بالمزيد. ولكن المشكلة هي أنها لن تحصل على ما هو أكثر من ذلك من الأوروبيين.
بالطبع هناك خيار مختلف تماماً. على سبيل المثال، يمكن أن تسعى الإدارة إلى الاتفاق في الوقت الحالي على عقوبات جديدة تتعلق بسلوك إيران المُزعزع للاستقرار في المنطقة، وتقول إنها - رداً على ذلك - لن تنسحب من الاتفاق النووي. يقدم مثل هذا النهج نوعاً مختلفا من المفاضلة، إذ يستفيد من رغبة الأوروبيين في بقائنا في الاتفاق ليس لأجل اتخاذ خطوات فيما يخص بنود انتهاء الصلاحية أو الصواريخ الباليستية، بل لمواجهة الإيرانيين في المنطقة. ونظراً لأن ما تفعله إيران في المنطقة - لا سيما في سوريا واليمن - يزيد مخاطر وقوع صراع أوسع وتصعيد أكبر، يمكن أن تقرر إدارة ترمب أنه يجب التعامل مع الخطر الأقرب وأنه يجب استخدام نفوذها لدى الأوروبيين لهذا الغرض.
مهما كان قرار إدارة ترمب، فهو يحتاج إلى دراسة تبعات الخروج من الاتفاق النووي من دون التفاهم مع الأوروبيين. إذا غاب التفاهم، فسوف يكون خروج أميركا منفرداً. وسوف تعزل أميركا نفسها وليس الإيرانيون. وسوف يقدم الإيرانيون أنفسهم بصفتهم ضحايا، ويستغلون ذلك لجعل الأوروبيين يقدمون لهم المزيد للبقاء في الاتفاق النووي. وإذا خاف الأوروبيون من انهيار الاتفاق، فمن المرجح ألا يكتفوا بإقامة مزيد من العلاقات الاقتصادية مع إيران، بل سيقاومون أيضا كل المحاولات الأميركية لجعل البريطانيين والفرنسيين والألمان ينضمون إلينا في رفع التكلفة التي سيتحملها الإيرانيون نتيجة السياسات العدوانية التي ينتهجونها في الشرق الأوسط.
وللمفارقة، يحين الوقت الآن، في ظل الغضب الذي أعرب عنه الشعب الإيراني في الفترة الأخيرة بسبب الأموال التي تُنفق في سوريا ولبنان، لكي تنشر أميركا وحلفاؤها الوعي ويزيدون تكلفة المغامرات الإيرانية في المنطقة. إذا أمكن الاستفادة من الرغبة الأوروبية في بقاء إدارة ترمب في الاتفاق النووي من أجل الحصول على تأييد بريطاني وفرنسي وألماني لفرض عقوبات على إيران، بسبب ما ترتكبه في سوريا واليمن (إذ تنتهك بالفعل قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقمي 2216 و2231)، فسوف يكون ذلك استخداماً ذكياً للنفوذ الأميركي.
ويبقى الوقت كفيلاً ببيان ما إذا كانت إدارة ترمب سوف تستفيد من نفوذها أم ستهدره؟
* خاص بـ«الشرق الأوسط»
TT
خيارات ترمب بشأن الاتفاق النووي مع إيران؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة