إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

«نوبل» طه حسين

في مذكراته الجميلة «يوماً أو بعض يوم»، الصادرة عن دار الكرمة، يجد القارئ الكثير من المواقف التي تستلفت النظر، كان المؤلف شاهداً عليها أو طرفاً فيها. ولا يعرف المرء أي لقب يطلق على صاحب هذه المذكرات، الكاتب المصري محمد سلماوي. فهو صحافي متعدد المواهب والاهتمامات. لا يكفي القول إنه كاتب ومسرحي وروائي ونقابي متعدد اللغات واسع العلاقات. وهناك بالفرنسية تسمية جميلة تُطلق على المتحركين في ميادين الأدب والفن: «آجيتاتور»، أي المحرّض. وقد لا يكون المحرّض كاتباً عظيماً لكن وجوده ضروري لنموّ أدب كبير. ما نفع المثقف إن لم يكن فضولياً، زارع علامات استفهام، نابش وثائق، يحتفظ في جيبه بحصاة أو بعض حصاة لتحريك سكون البحيرة؟
يخبرنا ناشر الكتاب أن سلماوي نشأ في أسرة ميسورة. وهو ما يتوسع في عرضه صاحب المذكرات الذي عاش حياة حافلة وشغل مواقع سمحت له أن يقترب من «الكبار». اشتغل في «الأهرام» أيام هيكل، وسجل يوميات يعرف قيمتها من يسعى لأن يكون من شهود العصر. وبالدأب المفترض في كل صحافي، حرص المؤلف على أن يستقصي بنفسه كل واقعة وردت في مذكراته. من ذلك حكاية ترشيح الدكتور طه حسين لنيل جائزة «نوبل» في الأدب، أواخر الأربعينات الماضية.
كان الأديب المصري أول مرشح عربي رسمي في تاريخ الجائزة. لكن ترشيحه جاء في سنة 1949، بعد عام واحد من حرب اغتصاب فلسطين. فماذا حدث داخل الأكاديمية السويدية يومذاك؟ «سيبقى ذلك علامة استفهام لا يملك أحد الرد عليها». ويمضي سلماوي قائلاً إن التنافس وصل إلى أشدّه، آنذاك، بين طه حسين وبين الروائي الأميركي الكبير وليم فوكنر. وبدا أن الأديب العربي قد يتفوق على منافسه في التصويت. وعندئذ تقرر عدم منح الجائزة في ذلك العام بحجة أنه لا يوجد بين المرشحين من تنطبق عليه شروطها. وهو ما لم يحدث من قبل. ومع هذا، جرى الإعلان عن فوز فوكنر على أن يتسلمها في العام التالي. تفاصيل يقول سلماوي إنه استفسر عنها وتأكد منها، بعد سنوات، بشكل مباشر من ستوري آلين، السكرتير الدائم للجنة الجائزة المرموقة.
وتمر السنوات. وتحلّ 1988، السنة التي فاز فيها نجيب محفوظ بجائزة «نوبل». ويكتب سلماوي أنها كانت إحدى المناسبات التي استغلتها الصحافة لاختلاق مواجهة بين محفوظ وبين مواطنه يوسف إدريس الذي كان قد جرى ترشيحه للجائزة، بالفعل، أكثر من مرة. وقد أوعز البعض لإدريس بأنه هو الفائز المؤكد في تلك السنة، رغم السرية الحديدية لمداولات لجنة الجائزة التي لا يمكن اختراقها. ولَم يحدث أن تسرب مسبقاً اسم الفائز الذي يكون، عادة، مفاجأة غير متوقعة.
أنقل عن سلماوي: «حين فوجئ يوسف إدريس، ومعه العالم كله، بفوز نجيب محفوظ، كان من الطبيعي أن يتصور أن التغيير في القرار له أسباب سياسية تتعلق بموقفه المعارض لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل. وقد نُقل عن يوسف إدريس هذا المعنى، وتحول فوز أول أديب عربي بأرفع الجوائز الأدبية في العالم إلى سجال ومفاضلة بين الكاتبين، لم يشارك فيهما أي منهما».
كان سلماوي في مكتب نجيب محفوظ حين اتصل به يوسف إدريس ليقول له:
- الكلام اللي سمعته ده يا أستاذ نجيب أنا ما قلتوش.
ورد عليه محفوظ ببساطة:
- وأنا ما سمعتوش.