علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

أين أخطأ مؤلف «نجديون وراء الحدود» الحقيقي؟

قال الدكتور محمد الربيع في شهادته حول قضية ادعاء يعقوب الرشيد أنه هو مؤلف «نجديون وراء الحدود» وليس الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم: «كان الدكتور عبد العزيز يحدّثني عن اتفاق بينه وبين الأستاذ يعقوب الرشيد على تأليف كتاب العقيلات يكون باسمهما، على أن يقدّم الأستاذ يعقوب وثائق ومعلومات متوفرة لديه، باعتبار أهله من أسر العقيلات قديماً، وكذلك يساعده مالياً في السفر إلى القصيم وإلى القاهرة للالتقاء مع بعض رجال العقيلات والعارفين بتاريخهم هناك، وإلى لندن لجمع الوثائق المتعلقة بالعقيلات في الأرشيف البريطاني».
وقال الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم في مقدمة ذلك الكتاب –بعد أن عزا إلى كتب الرحالة الأوروبيين الفضل في استجلائه حقيقة جماعة العقيلات وتنقيبه عن جذورهم: «حدث أن قابلنا أحد تجار الرياض من ذوي النسب بالعقيلات، وذكر لنا أنه يملك العديد من الوثائق الخاصة بهم. واستقر الرأي على أن نتعاون في إصدار كتاب عن هؤلاء الجماعة، وأن نتقاسم ما عسى أن يحققه هذا العمل من خير في الدارين، أو من ضير في هذه الدنيا. وحين فرغنا من الكتاب بصورته الراهنة أرسلناه إلى صاحبنا لكي يضيف إليه وتتم المشاركة المنشودة. يبدو أن مشاغله الأخرى –أعانه الله– قد صدّته عن هذا السبيل فاتفقنا على فض الاتفاق على شروط ارتضاها كلانا».
تختلف هاتان الروايتان، بأن يعقوب الرشيد في الرواية الأولى شريك له في تأليف كتاب عن العقيلات، بحكم أنه سيزوده بالوثائق والمعلومات المتوفرة لديه، وبحكم أنه سيتولى نفقات سفره وإقامته في القصيم والقاهرة ولندن، بينما هو في الرواية الثانية كان من المفترض أن يكون شريكاً له في مؤلف عن العقيلات. وعلى سبيل الاعتذار إليه رأى أن مشاغله الأخرى حالت دون أن يكون ذلك الشريك.
وتختلف الروايتان في أن الوثائق والمعلومات المتوفرة لدى يعقوب التي سيقدمها له في الرواية الأولى كانت أحد مسوغين لأن يكون الكتاب باسمهما، بينما في الرواية الثانية، أن امتلاك يعقوب العديد من الوثائق الخاصة بالعقيلات، هو ما أهّله للاشتراك معه في تأليف الكتاب. ولم يتطرق فيها، حين استقر رأيهما أن يتقاسما العمل على تأليف الكتاب، إلى أنه سيعتمد على الوثائق العديدة الخاصة بالعقيلات التي لدى يعقوب، ولا أنه اعتمد عليها حين فرغ من الكتاب. ويُفهم مما قاله أنه كان يُفترض بيعقوب في مساهمته في الكتاب أن يعتمد على الوثائق التي هو يملكها. أما هو في مساهمته فلقد اعتمد –كما قال– على الأرشيف البريطاني العام وعلى الأرشيف المصري، وعلى صدور بعض العقيلات الأحياء.
أشك كثيراً في أن لدى يعقوب وثائق خاصة بالعقيلات. فهذا ادّعاء قال الدكتور عبد العزيز به ليسوّغ لنفسه أمام زميله الدكتور الربيع وأمام القارئ تشاركه في تأليف كتاب مع رجل كل صفته عنده –كما سنرى– أنه رجل تاجر! وشكّي هذا مبنيّ على أكثر من قرينة، منها أن دراسات الدكتور عبد العزيز التاريخية تعتمد كلها على الوثائق، فكيف يكون لدى يعقوب وثائق ويزهد بها الدكتور عبد العزيز إلى هذا الحد؟!
وتختلف الروايتان –أيضاً– في أن يعقوب في الرواية الأولى هو الممول المالي للدكتور عبد العزيز في سفره إلى القصيم وإلى القاهرة وإلى لندن، أما في الرواية الثانية، فإنه يُفهم ضمناً أنه سافر إلى هذه الأماكن، وأقام فيها مُدداً متراوحة على نفقته الخاصة.
قدم الدكتور عبد العزيز عبد الغني، إبراهيم يعقوب الرشيد بصفته أحد تجار الرياض مع حصره في هذه الصفة. وإشارته إلى أنه من ذوي النسب في العقيلات لم تأتِ على سبيل التعريف به، وإنما أراد أن يفسر بها اهتمام هذا التاجر –الذي التقاه صدفة!– بالعقيلات وبتاريخهم.
ومن واقع مخالطته به، من المؤكد أنه عرف عنه، أنه رجل مثقف، معنيّ –بالدرجة الأولى– بالسياسة والتاريخ العربي الحديث وصراعاته السياسية والحزبية والآيديولوجية. هذه الصفة –أيْ صفة المثقف– ألم يكن من الأجدر أن يذكرها كتعريف إضافي به، لمناسبة ذكرها في هذا المقام. والمقام مقام تأليف في التاريخ؟! إنّ حصر الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم يعقوب الرشيد في صفة التاجر كان لغاية في نفسه، وهي إضعاف ادعاء يعقوب أنه هو صاحب الكتاب، كما تقضي بذلك ورقة المخالصة بينهما التي كتبها الدكتور عبد العزيز والتي بموجبها تنازل بها ليعقوب عن كتاب هو مؤلفه، وذلك بالقول من بين ثنايا السطور إنه مجرد رجل تاجر تنطّح لتأليف كتاب، لكنه لم يقدر مع وجود العديد من الوثائق الخاصة بموضوع الكتاب لديه، وإن غطى قوله هذا بذلك الاعتذار اللبق إليه.
إن تقديم يعقوب الرشيد والتعريف به على نحو ما عرّف به الدكتور عبد العزيز، تجعلنا نسأله مستغربين: هل امتلاك شخص وثائق خاصة بموضوع ما تؤهله –وحدها– لأن يتقاسم معه التأليف؟!
وما حاجته إلى يعقوب وإلى الوثائق العديدة الخاصة بالعقيلات التي يملكها، ما دام لن يستعملها ولن يستفيد منها، واستعمل واستفاد مما عند غيره، جهاتٍ وأشخاصاً؟!
ومما لم يقله الدكتور عبد العزيز في الرواية الثانية، ماذا حصل حين فرغ من الكتاب وأرسله إلى صاحبه يعقوب. وما لم يقله قاله الدكتور محمد الربيع في شهادته. وهو أنه «بعد أن أتمّ الدكتور مسودة الكتاب، وكانت مطبوعة على الآلة الكاتبة، سلّمها للأستاذ يعقوب. وعندما قرأها لم تعجبه. فنشأ بينهما خلاف على عدة نقاط في الكتاب».
لم يفصح الدكتور عبد العزيز في روايته الثانية عن الشروط التي ارتضاها هو ويعقوب على أن يفضّا الائتلاف فيما بينهما. وما لم يفصح عنه فيها أفصح به للدكتور الربيع وربما لآخرين قريبين منه. قال الدكتور الربيع في شهادته: «وبعد اختلاف شديد في وجهات النظر، وشيء من النزاع، تم الاتفاق بينهما على أن يصدر الكتاب الذي أعده الدكتور عبد العزيز باسمه فقط. وأن يستفيد الأستاذ يعقوب مما جمعه الدكتور عبد العزيز في إعداد كتاب آخر».
ومع أنه أفصح له عن هذا الأمر إلا أنه لم يصْدقه القول، فوثيقة الإقرار أو المخالصة، تفيد بخلاف ذلك. كما أن الاستفادة من كتاب قبل الطبع دون الإشارة إليه، ستوقع أحد الكتابين في تهمه السرقة من الكتاب الآخر بعد طبعهما. وإذا كان المقصود بهذا الشرط أن يستفيد يعقوب من كتاب الدكتور عبد العزيز غير المطبوع مع الإشارة إليه كمصدر، فهذه مسألة لا تحتاج إلى إبرام اتفاق.
ومع ما في هذه الرواية من اختلال وتعمية، إلا أنها تظل أقرب إلى التماسك من الرواية الثانية. فالرواية الثانية رواية مضطربة، وقد ذكرنا بعضاً من وجوه اضطرابها. وما ينقص الرواية الأولى أو ما رواه للدكتور الربيع هو أنه لم يخبره أن فكرة الكتاب –وينبغي التنبيه هنا إلى أن فكرة الكتاب ليست خاصة ولا نادرة ولا مبتكرة، وما أقصده في هذا السياق أنه قد أقنعه بتنفيذ الفكرة- هي فكرة يعقوب، وأنّ من كلفه بصنع الكتاب هو يعقوب، وأنه سيحصل منه على مكافأة مالية قدرها عشرون ألف ريال.
ومما قاله الدكتور يحيى ساعاتي في شهادته: «كانت العلاقة بينهما كما هو ظاهر، علاقة ودية لا يشوبها أي شيء، ثم دبّ الخلاف بينهما، وتحدث إليّ يعقوب أن الدكتور عبد العزيز قد تجاوز حدّه، وبدأ يستعين بالمعلومات التي كان يفترض أنها جُمعت للكتاب الذي ينوي الأستاذ يعقوب الرشيد وضعه»! ومعنى هذا أن يعقوب كان يسرّب لآخرين تهديده للدكتور عبد العزيز باتهامه بالسرقة من كتابٍ الأخير هو مؤلفه الحقيقي، مستنداً في ذلك إلى ورقة الإقرار أو المخالصة قبل أن يصدر الكتاب باسم الدكتور عبد العزيز عن «دار الساقي» بما يقارب العامين، وهذا ما يشير إلى أنه كان غير مطمئن إلى ما سينوي الدكتور عبد العزيز فعله بالكتاب.
من وجهة نظري، أن الخيار الأمثل الذي كان على الدكتور عبد العزيز أن يتبعه للخروج من الورطة التي أوقع نفسه فيها هو أن يرد المال الذي أنفقه عليه يعقوب في سبيل إنجاز الكتاب، وأن يتنازل عن حقه في المكافأة المالية بعد إنجازه للكتاب لكي يتمكن من الاستقلال به ويكون له وحده.
وكان عليه قبلها في وقت الود والوفاق بينه وبين يعقوب أن يحسم مسألة مهمة قبل بدء التعاون بينهما، وهي أنه سيكتب تاريخ العقيلات كما كان، اعتماداً على الوثائق وعلى ما يتوصل إليه في بحثه، وليس كما يتشهى صاحبه ويودّ. لكن التسهيلات والمكافأة المالية دفعتاه إلى أن يفرط بحسم تلك المسألة كثيراً.
يعقوب الرشيد كان من تلك الفئة التي إذا أرادت أن تقنعك بدعوى ما تلجأ إلى الاختلاق. لهذا بعد مضيّ سنوات من نشر تحقيقي الصحافي في جريدة «الشرق الأوسط» حول ادعائه أنه هو مؤلف «نجديون وراء الحدود» صار يقول: إنه بعد نشر الكتاب حصلت معركة بينه وبين الدكتور عبد العزيز في جريدة «الشرق الأوسط» حول حق تأليفه. وقد صدّق أحد راثيه هذا الاختلاق وقال ببعضه.
إنني أؤكد أن ما نُشر في هذه الجريدة هو ذلك التحقيق الصحافي الذي أعدت إحياءه مجدداً في سلسلة مقالات، هذه آخرها. وما كان يقوله يعقوب –رحمه الله- لا أصل له.