مينا العريبي
صحافية عراقية-بريطانية، رئيسة تحرير صحيفة «ذا ناشونال» مقرها أبوظبي. عملت سابقاً مساعدة لرئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، وقبلها كانت مديرة مكتب الصحيفة في واشنطن. اختارها «منتدى الاقتصاد العالمي» ضمن القيادات العالمية الشابة، وتكتب عمود رأي في مجلة «فورين بوليسي».
TT

دخول المرأة سوق العمل... من يتحمل مسؤوليته؟

على الرغم من التقدم الذي أحرزته سيدات عربيات رائدات في مجالات العلم والأعمال والعمل الحكومي وغيرها من مجالات، فما زالت مشاركة المرأة في الحياة العملية في العالم العربي دون طموحاتها، ودون المستوى المطلوب لتحفيز اقتصاديات الدول العربية. وبموجب البنك الدولي، فإن نسبة 3.5 في المائة فقط من الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تملكها سيدة، مقارنة بـ14 في المائة من المعدل العالمي للشركات، بينما 5 في المائة فقط من الشركات تقودها امرأة، مقارنة بـ19 في المائة عالمياً. وتشكل المرأة 16 في المائة فقط من العاملين في المنطقة، مقارنة بـ33 في المائة عالمياً. وعلى الرغم من الحاجة لتحسين وضع المرأة بشكل عام حول العالم في مجالات العمل، فإن حالتها ربما تحتاج للمزيد في العالم العربي. فمن جهة، تعرقل العقبات الاجتماعية في بعض المجتمعات العربية دخول المرأة سوق العمل بشكل متسارع، بينما الأوضاع الاقتصادية المتقلبة لدى الكثير من الدول العربية، وخاصة تلك غير المصدرة للنفط، تزيد من صعوبة خرق العقبات الاقتصادية. وهذا كله من دون التطرق الى تأثير الحروب والنزاعات على المجتمعات وتبعات ذلك على المرأة.
خلال مشاركته في «القمة العالمية للحكومات» المنعقدة في دبي هذا الأسبوع، سلط رئيس البنك الدولي جيم كيم الضوء على ضرورة تمكين المرأة «وبشكل سريع» مع تسارع التغييرات الاقتصادية والتقنية حول العالم. فهذا عامل أساسي لتقوية الاقتصادات والمجتمعات في عالم متقلب. كما أنه حذر من أن «النمط التقليدي» في الاستثمار التنموي لم يعد يصلح بعد. وهذا النمط التقليدي المبني على نظيره التطور الاقتصادي من النموذج الزراعي إلى الصناعات الخفيفة ومن ثم الصناعات الثقيلة، كما حدث خلال القرنين الماضيين، بات غير لائق للعالم. وتغيير النمط التقليدي يعتمد على عوامل عدة، على رأسها تغيير الاستثمار التنموي ليركز على الإنسان كبنية تحتية أساسية لإنجاح أية دولة.
وربما المثال الأفضل على بناء قدرات النساء يأتي من خلال «مبادرة تمويل رائدات الأعمال» التي أطلقها البنك الدولي في أبريل (نيسان) الماضي وساهمت فيها 14 دولة، منها السعودية والإمارات، بمبلغ وصل حتى الآن إلى 340 مليون دولار. وبحسب وزيرة الدولة للتعاون الاجتماعي الإماراتية ريم الهاشمي فإن العمل على تمويل رائدات الأعمال العربيات ليس فقط أمراً «لطيفاً» يجب الإشادة به، بل بات ضرورة ملحة لتحفيز الاقتصادات. وقد أفاد تقرير من شركة «ماكنزي» للاستشارات العالمية بأنه من الممكن زيادة 12 تريليون دولار لإجمالي الناتج الداخلي العالمي بحلول 2025 من خلال دعم دور المرأة في الاقتصاد. وهذه دراسة واحدة من بين عشرات الدراسات التي تدل كلها على أهمية دور المرأة في سوق المال. وبما أن إحصاءات البنك الدولي تظهر أن نمو اقتصاد المنطقة تراجع من 5 في المائة لعام 2016 إلى 1.8 في المائة لعام 2017، لا بد من السعي وراء أية سياسات يمكن أن تخفز الاقتصاد، على رأسها ترسيخ دور المرأة.
ولكن من يتحمل مسؤولية فتح المجالات الكافية للمرأة في سوق الأعمال؟ الحكومات لها دور أساسي؛ إذ عليها أن توفر التمويل الذي قد لا توفره المصارف لمن لا تتمتع بالخبرة الكافية أو الأصول الوافية التي يمكن أن تضمن أي قرض تحصل عليه المبتدئة في مجال العمل. كما أن للمدارس والمناهج التعليمية دوراً أساسياً في خلق الثقة بين البنات والشابات كي يتطلعن للمستقبل بثقة وقدرة على القيام بدور فعال في سوق العمل. كما أن على المؤسسات المالية، وعلى رأسها تلك الدولية، أن تتحمل مسؤوليتها في توفير التمويل الميسر بشروط عادلة لمن تريد أن تنشئ شركة أو مشروعاً خاصاً بها. ولكن هناك عنصراً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه، وهو دور الأسرة. لكل فتاة، شابة أو سيدة عربية حاجة للحصول على الدعم الأسري، قبل حتى الاجتماعي، لتوسع آفاقها. وتدور النقاشات حول دور المرأة في سوق الأعمال وكيفية تقوية مكانتها في القطاع الخاص، ولكن لا يمكن أن يحدث ذلك من دون إسهام الرجل في هذه الجهود. فدور الأب أو الأخ أو الزوج يؤثر مباشرة في الفتاة وهي تتخذ قراراتها حول سير حياتها الشخصية التي تؤثر في حياتها المهنية.
وهناك عامل مهم يربط تمكين المرأة بالاحتياجات التنموية الأخرى للأسرة، على رأسها التعليم والصحة. فلا يمكن للمرأة أن تساهم بقوة في مجالات العمل، حتى وإن لاقت الدعم الأسري والاجتماعي الكافي، إذا لم تتمتع بصحة جيدة ويتمتع أبناؤها أو بناتها بصحة جيدة. وهذا يشمل الحصول على التغذية السلمية، في وقت يوجد فيه 815 مليون شخص يعاني من الجوع يومياً في عالمنا. وهناك روابط وثيقة بين الفقر والصحة والتغذية والتعليم وجهود تمكين المرأة. والعمل على رفع مستوى المعيشة للشعوب سيحسن بكل تأكيد وضع الاقتصاد بشكل عام، ولكن هذا العمل لن يفلح من دون اتخاذ قرار استراتيجي بأن المرأة، وهي نصف المجتمع، يجب أن تكون شريكة حقاً في ذلك.