اختارت شرائح بسطاء الناس في تونس الاحتفاء بالذكرى السابعة لانطلاق «ثورة الياسمين» بمسيرات غضب لم تخلُ من عنف. يحتل الرقم سبعة، كما هو معلوم، مكانة خاصة في ثقافات شعوب العالم قاطبة، ولعل في هذا التوافق ما يوضح أحد أسباب التفاهم الإنساني بشأن حساب أيام الأسبوع السبعة. على صعيد دولي، ثمة اتفاق آخر يكاد يكون محل إجماع عربي أيضاً، خلاصته نجاح أهل تونس في الإبقاء على بلادهم خضراء، رغم ما تأتي به رياح أي تغيير ثوري مفاجئ، وغير منضبط، من عواصف تطيح ما يعترض عنفوانها، بصرف النظر عن الأخضر أو اليابس. ألم يحصل شيء، أو قل أشياء، من ذلك التدمير، خلال ما تعرض له أكثر من قطر عربي عصفت به أعاصير ما سُمي «الربيع العربي»؟ بلى. هل ثمة أشرار يختبئون في جهة ما من الأرض، يتحملون مسؤولية وضع مخطط خبيث يزعزع استقرار العرب، ويحول دون نهوض مجتمعاتهم؟ حسناً، لحديث «المؤامرة» حضور ليس فقط ممكناً إنكار وجوده، بل كذلك من الخطأ إهمال تأثير تردده عبر وسائط ما بات يحمل صفة «سوشيال ميديا». عندما تسأل عن المستفيد من تخطيط شرير كهذا، سيقال لك، فوراً: إنها إسرائيل. لن تتغير الإجابة حتى لو ضربت مثلاً بسيطاً خلاصته أن مصلحة تل أبيب كانت ترتبط باستقرار حكم الرئيس حسني مبارك، وليس بخلعه.
واقع الحياة اليومية يقول إن التحليل المنطقي لما يجري، قليلاً ما يُرضي أغلب الناس. يحصل هذا حتى في مجتمعات متقدمة يحدث أن تقْدم أغلبيتها على إجراء ما في غير مصلحة عموم المجتمع، فإذا تبيّن لجموع العامة سوء ما وقع، وقيل لها إن ما تحصده هو ثمار خطأ تسليم الأمر لغيرها، سرعان ما تبادر قيادات العوام إلى رفض تحمّل نصيبها من المسؤولية، وتراها تصر أن غيرها فقط هو من يخطئ. لماذا يصعب، وقد يستحيل، على شخصيات تصدت لمهمة حث جماهير دول عربية عدة كي تنزل إلى الشوارع وتسقط أنظمة حكمها، الإقرار بأنها تتحمل نصيباً من مسؤولية ما آلت إليه أوضاع بلدانها؟ ما الذي سيحصل، لتلك الشخصيات، لو أنها أقرّت بخطيئة أنها لم تمتلك أي تخطيط يتبع اليوم التالي لمسيرات الزعيق بأن «الشعب يريد إسقاط النظام»؟ لِمَ تخاف التسليم بوقوع الخطأ فتسارع إلى اتهام مخطط أطراف شريرة؟
هل من الغريب أن يحار المرء، في شأن ما سُمي «ربيع» العرب رغم مرور سبع سنوات على ما شهدته مطالع عام 2011؟ كلا، بعيداً عن صواب أو زيف أحاديث «المؤامرة»، يظل من المشروع القول إن جُلّ ما وقع خلال السنين السبع لم تنكشف، بعد، أسرار ما غَمض منه. هل هو فرض واجبٍ على كل متألم لكل ما حاق بدول عربية عدة من فوضى، إغماض العينين إزاء حقائق مرّة تقول بفم يمتلئ مرارةً أشد من العلقم، إن نُظم ما قبل «ثورات» تلك الدول، على رغم ما ساد خلالها، وعشعش في أركانها، من فساد لم تكن بذلك السوء الذي أتى بعدها؟ أم مطلوب القول، وبكثير من الوضوح، للذين سوف يوقدون شموع «عيد ميلاد الربيع العربي» مبتهجين بما تحقق لهم من شهرة الأضواء، وبريق الزعامة، إنهم بصريح العبارة غير معنيين بآلام مُعترين سيئي الحظ، هم في الواقع من دفع أبهظ أثمان سنوات خريف الخراب التي أتت مع «ربيعهم» ذاك؟
لكن، كما أشرت في المستهل، يجب القول إن تونس استطاعت، بحكمة أغلب ساسة أحزابها وخبرتهم، النجاة من مستوى ما حل بغيرها من دمار. لِمَ، إذنْ، انتهى الأمر بكِرام أهلها لغليان كهذا؟ هل يحصل الغضب فجأة؟ أينام الناس سعداء، فإذا هم غاضبون صباحاً؟ كلا، بالتأكيد. كم مرة قيل إن «كثرة الضغط تولّد الانفجار»؟ مراراً. لِماذا طلب «وصفة» إصلاح الاقتصاد التونسي من صندوق النقد الدولي، رغم المعرفة، مسبقاً، أنها سوف تضع مزيد ضغط على الفقراء تحديداً؟ أسئلة تبحث عن إجابة تنصف التاريخ ذاته، قبل المسارعة، حتى من قبل بعض النُخب، للأسف، إلى توبيخ البسطاء وحدهم. يبقى أن تاريخ هذا اليوم من الشهر المقبل، يصادف مرور سبع سنين على ما عدّه أغلب أهل ليبيا «ثورة سابع عشر فبراير (شباط)»، لكن ذلك حديث وجعٍ آخر.
TT
غضب «ربيع» العرب
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة