جمال الدين طالب
كاتب وصحافي في صحيفة «الشرق الأوسط»
TT

مستقبل أوروبا واليورو

«الفرصة الأخيرة لدراغي لإنقاذ منطقة اليورو» كان هذا عنوان صحيفة «التايمز» اللندنية عشية قرارات البنك المركزي الأوروبي ومحافظه الإيطالي ماريو دراغي المثيرة للجدل خلال الخميس الماضي بخفض سعر الفائدة الرئيسة إلى 15.‏0 في المائة بعد أن كانت 25.‏0 في المائة وهو أدنى مستوى للفائدة على الإطلاق، وإجراء آخر غير مسبوق حتى الآن ولم يختبره أي بنك مركزي آخر ويتمثل في فرض 10.‏0 في المائة كنوع من الفائدة السلبية أو الضريبة لليلة واحدة على ودائع البنوك التجارية لديه، بهدف حث هذه البنوك على الإقراض أو استثمار فوائضها المالية بدلا من الاحتفاظ بها لدى البنك المركزي الأوروبي. ويأمل المركزي الأوروبي أن يؤدي فرض فائدة سلبية على الودائع إلى زيادة التضخم، حيث ينتظر أن يضعف اليورو، مما يزيد من سعر الواردات. كما أقر المركزي الأوروبي برنامجا لإقراض للبنوك بقيمة 400 مليار يورو بمعدلات منخفضة طويلة المدى. وتهدف هذه الإجراءات لمنع منطقة اليورو من السقوط في دوامة انكماش الأسعار مثلما حدث مع اليابان، وذلك مع الانخفاض الشديد في نسبة التضخم، الذي تعانيه منطقة اليورو، منذ عدة أشهر. وانخفضت نسبة التضخم في منطقة اليورو 5.‏0 في المائة في مايو (أيار) الماضي، أي إنها أقل بكثير من مستوى اثنين في المائة الذي يستهدفه البنك المركزي الأوروبي.
وفي المؤتمر الصحافي، الذي أعقب اجتماع مجلس محافظي البنك المركزي، أكد دراغي: «لن نسمح بأن يظل التضخم في مستوى بالغ الانخفاض لفترة طويلة»، وذلك لأن انخفاض معدل التضخم يعزز القلق من حدوث كساد اقتصادي يتسبب في إحجام الأفراد والشركات عن شراء السلع والاستثمارات انتظارا لمزيد من انخفاض الأسعار، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى كبح الانتعاش الاقتصادي في أوروبا.
وفيما يشبه التحدي، أكد دراغي أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها المركزي الأوروبي مهمة من أجل تحفيز الاقتصاد، لكنه أضاف قائلا: «فهل انتهينا؟ لا».
وبينما يتحدث دراغي بهذه الثقة والتحدي ويحاول طمأنة الرأي العام بأن المركزي الأوروبي يقوم بما عليه لمواجهة التحديات الاقتصادية، وأن الوضع تحسن مقارنة بالسنوات السابقة مع خروج دول مثل البرتغال وآيرلندا من برنامج الإنقاذ، وتحسن سوق السندات الحكومية وعودة النمو الاقتصادي، ولو ببطء رغم تباينه من منطقة لأخرى - فإن الأمر على أرض الواقع يقول شيئا آخر، فالمشهد السياسي «المحتقن» والمزاج الشعبي العام في منطقة اليورو بشكل خاص، والاتحاد الأوروبي بشكل عام، المعارض للوحدة النقدية والأوروبية، يلقي بظلاله الكثيفة ويزيد الأسئلة حول مستقبل، ليس خطط دراغي فقط، إنما على منطقة اليورو وعملتها الموحدة، بل وحتى على الاتحاد الأوروبي برمته.
ففي ألمانيا أكبر اقتصاد في المنطقة، لقيت قرارات المركزي الأوروبي الأخيرة معارضة شعبية وإعلامية واسعة. ومن شأن هذا أن يزيد حدة السخط الشعبي في ألمانيا من منطقة اليورو، التي يرى دافعو الضرائب الألمان أنهم «عمليا» هم من يحملونها على كاهلهم، وأن شعوب بلدان أخرى، خاصة في جنوب أوروبا، تمتعوا لسنوات بمعدلات معيشة مرتفعة وفي أجواء متوسطية أجمل على حساب دافعي الضرائب الألمان، كما لا يتردد الكثر من الألمان في قوله!
ويتوسع شعور الألمان ليشمل الاتحاد الأوروبي بأكمله، وإن كان ليس بالدرجة التي جرى تسجيلها في فرنسا وبريطانيا مثلا، حيث أحدثت انتخابات البرلمان الأوروبي الشهر الماضي زلزالا سياسيا في كل من فرنسا وبريطانيا، مع تقدم أحزاب اليمين المتطرف المناهضة للوحدة الأوروبية للمرة الأولى على الأحزاب التقليدية، بينما تمكن حزب النازيين الجدد في ألمانيا من إيصال نائب إلى البرلمان.
ومع استمرار المصاعب الاقتصادية وتمظهراتها السياسية، في القارة العجوز، فمن الواضح أن المستقبل لا يبدو أنه «بعنفوان الشباب» في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي بشكل عام.

[email protected]