د. أحمد عبد الملك
كاتب واكاديمي قطري
TT

الإرهاب عبر أدوات التواصل الاجتماعي

من نماذج الإرهاب المتنوعة الإغارة على مواقع الآخرين وسرقة معلوماتهم وصورهم ووضع تلك الصورة في مواقف مخلة بالآداب وتهديد أصحابها للقبول بعلاقة (في حال النساء) أو طلب المال في حال الرجال والنساء؟! وهذا ما جعل (صائد النساء على مواقع التواصل الاجتماعي يقع في أيدي شرطة دبي، بعد أن استدرجته وفق كمين محكم حتى تم ضبط المتهم متلبسا). (الإمارات اليوم – 22-5-2014).
قصة أخرى في بلد خليجي: حيث قام شخص بتنويم أخت زوجته – التي لم يوفق في الزواج منها – عبر حبة ادعى أنها لتخفيف الصداع الذي كانت تعاني منه وهي في سيارته، كونهم يقصدون أختها المتوعكة في منزلهم. وبعد أن نامت أخت الزوجة حملها إلى أحد الفنادق ثم قام بتصويرها بواسطة الهاتف لمزيد من الابتزاز. وعندما طلبها للمرة الثانية لم توافق، فقام بتكبير الصور ونشرها أمام منزلها، وأرسل رسائل نصية إلى أصدقاء العائلة بالواقعة. وحكمت المحكمة عليه بخمس سنوات.
في تونس أعلن رئيس الوزراء أنهم استحدثوا خلية ضد الإرهاب الإلكتروني، ووضعوا لها إطارا قانونيا. وأشار المسؤول التونسي إلى وجود جماعات متطرفة على الإنترنت تحاول استمالة الناس أو تمرير ثقافة الموت إليهم.
وفي كثير من الدول ترصد «هاشتاقات» تحريضية على «تويتر» وتسجّلَ ملايين المشاركات، أغلبها مجهولة المصدر.
مثال آخر، فلقد وقع رجل ضحية احتيال إلكتروني، بعد أن ظهر عاريا وهو يرقص، متجاوبا مع رغبة إحدى السيدات التي أوهمته بأنها مطلقة، وأنها وقعت في حبه من خلال اللحظات الأولى للمحادثة بينهما، وفاجأته بأنها تطلب 2000 درهم مقابل عدم نشر الشريط! (2000 درهم أمرهم هين)؟!
وفي بلاد الغرب ذكرت المصادر أن 700 أوروبي ذهبوا إلى القتال في سوريا، بسبب تأثرهم بوسائل التواصل الاجتماعي.
هذه الأمثلة الخجولة التي اخترناها وغيرها من المواد التي تخرج عبر أدوات التواصل الاجتماعي تشكل ظاهرة الإرهاب الإلكتروني (Cyber Terrorism). ولقد تم تصنيف ظاهرة الإرهاب الإلكتروني على عدة مراحل، منها: التهديد الإلكتروني، القصف الإلكتروني: مثل توجيه مئات الآلاف من الرسائل إلى مواقع شبكات المعلومات بحيث يضعف قدرتها على استقبال رسائل من المتعاملين معها، ما يؤدي إلى وقف هذه المواقع. وثالثا: تدمير أنظمة المعلومات، مثل: إدخال الفيروسات التي تضر بأجهزة الكومبيوتر والمعلومات المخزنة فيها. ورابعا التجسس الإلكتروني مثل التلصص، وسرقة المعلومات. وتتعدد أهداف السرقات وحالات التلصص من معلومات اقتصادية إلى سياسية وعسكرية وشخصية. (www.alarab.co.uk، عدد 9511. ص 18).
وهنالك عشرات القصص يوميا على وسائل التواصل الاجتماعي، يتعرض خلالها المتواصلون إلى عمليات إرهابية، بل ووصل الأمر – ببعض السفهاء - الذين يستغلون الأوضاع السياسية في العالم العربي، بإطلاق تهديدات على آخرين بأنهم ملاحَقون، وبأنهم لا يجوز لهم السفر إلى هذا البلد أو ذاك، وأنهم في حال عودتهم لأوطانهم سوف يتعرضون لمساءلات أمنية؟!
البعض يقول إن هذه العمليات افتراضية ولا يجوز تحميلها أكثر مما يجب! والبعض الآخر يُصرّ على أنها عمليات إرهابية حقيقية وليست افتراضية، وهي تعرّض حياة الآخرين للخطر، وتُنمي لديهم الشعور بعدم الأمان، وبرغبة الانتقام أو مجاراة الشر، لردّ الإساءة أو اللجوء إلى القضاء.
بصراحة، لا توجد منطقة في العالم تحوي أو تحتضن أشكال الإرهاب مثل المنطقة العربية! ولا نعلم لماذا تُصاب هذه المنطقة بكل «الأدران» في الوقت الذي استقبلت دول العالم الأخرى نتاج التكنولوجيا – بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي - واستخدمته بما يفيد شعوبها، وبما يقوي من الرأي العام، وينشر حرية التعبير بصورة حضارية، لا يتدخل فيها التهديد أو رفض الآخر أو السخرية من الرأي.
وأتذكّر أول ما وصل إلينا الهاتف النقال ورسائله النصية فيما بعد، بدأ كثيرون باستخدام هذه الوسيلة الحضارية في تبادل النكات «السمجة» والرسائل القاتلة للوقت. وعندما وصلت إلينا وسائل التواصل الاجتماعي – عبر الإنترنت – استحوذ على كثيرين من قاطني هذا العالم العربي (حُبّ) الثأر للذات ومن عدو واضح أو عدو مجهول؟! وبدأ هذا البعض «يقذف» العبارات الساخنة و«السوداء» دون وعي – ولربما بوعي – أو «انتشاء» بـ(وطنية زائفة)، بحيث تم تلويث الفضاء العربي بتلك الكلمات والمشاهد، وصور «الانتقامات» ورفض الآخر، لدرجة أن البعض «الصامت» أصبح لا يدري مع أي «لُجة» يسير، تماما كما حلّ الإشكالُ السياسي داخل أروقة وسائل التواصل الاجتماعي، وتضاربت الأقوال، وضاعت الحقيقة.
نعم نحن نعيش مرحلة إرهاب تكنولوجي، وهنالك الكثير من القضايا في المحاكم – في الكثير من الدول العربية – هذا يعود إلى افتقاد ثقافة الحوار، والشعور المزّيف بـ«الأنا المتضخمة»، والفراغ الفكري الذي يجعل من أي شخص – مهما كان مستواه – أن يتخفى وراء اسم مستعار – ويقذف بشخصية سياسية أو أدبية أو إعلامية دون وجه حق! وهذا بعيد جدا عما يُسمونه (حرية التعبير) التي لم استغلها بعض العرب سلبيا بعد أن اخترع لهم الغرب وسائل التواصل الاجتماعي!
*كاتب وأكاديمي قطري