إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

عن مارلين الألمانية

تنتهي السنة في بلادنا بمزيد من الدماء هنا وهناك. وليس من سبيلٍ لتفادي السواد سوى الهروب إلى بلاد المارلينات. مارلين مونرو، الممثلة الأميركية التي يقام في باريس معرض لصور لها لم تنشر من قبل. نامت منذ أكثر من نصف قرن وما زالت لها صور مجهولة مخبأة في مكان ما، تنتظر عيوناً لا تشبع. تقترب الكاميرا منها كاشفة عن أثر لعملية جراحية قديمة. أي جراح جسور ذاك الذي جرح بمشرطه خاصرة مارلين؟
وهناك مارلين شيابا، وزيرة المساواة بين الجنسين في فرنسا. وهي قد علّقت على حفلات ملكات الجمال بتصريح يجبر خواطر البعيدات عن التيجان والصوالج (جمع صولجان). قالت إن هذه المسابقات تكرّس نمطًا غير واقعي في المقاييس. فأن تكوني جميلة، لا يعني أن تكوني شابة ونحيفة، فحسب، وسليمة من الأمراض والعاهات.
مارلين زائداً مارلين يساوي ثلاثاً. والثالثة هي الألمانية، مارلين ديتريش، المغنية والممثلة التي احتفل محرك البحث «غوغل»، قبل يومين، بذكرى ولادتها في برلين سنة 1901. وهذه امرأة مختلفة. عارضت النازية التي تفشّت في موطنها وهاجرت إلى الولايات المتحدة وتجنست بجنسيتها. شاركت في مجهودات الحرب العالمية الثانية ونالت ميدالية الحرية، أعلى تقدير عسكري يمكن أن يحصل عليه المدنيون. إنسانة جريئة أم مواطنة خائنة؟ سؤال ما زال مثار جدل في أوساط ألمانية معينة.
ثالثة المارلينات تستحق، أيضاً، معرضاً يستعيد سيرتها، يقام حالياً في «البيت الأوروبي للفوتوغرافيا» في باريس. ونعرف أن اسمها الحقيقي ماري ماغدالين، أي مريم المجدلية. ويقال إن لكل امرئ من اسمه نصيباً. ومن كان بلا خطيئة فإنه لن يجد فيها سوى فنانة غاوية ذات أهداب مُسبلة فوق عينين نعساوين يعلوهما هلالان رفيعان. صورة لا تختصر ما وراءها. ولم يحدث أن نجح مصور في أن يختلس لها لقطة تختلف عما تريد أن يراها عليه الناس. تبدو، في صورة شهيرة لها، مرتدية بدلة رجالية وقميصاً وربطة عنق، ومبسم سيجارتها بين أناملها. كانت تنتقي ثيابها من كبريات بيوتات الأزياء في باريس، المدينة التي تقاعدت فيها وعاشت حتى بلغت التسعين. لم تغادر شقتها طوال خمسة عشر عاماً. وكان هناك دائماً «باباراتزي» يرابط على الرصيف المقابل، لعل وعسى.
يوم ذهبت إلى هوليوود، كان المنتجون في شركة «بارامونت» يبحثون عن موهبة أوروبية أخرى تنافس النجمة السويدية غريتا غاربو التي تحتكرها شركة «مترو غولدن ماير». ولم تكن ديتريش صبيّة غرّة بل امرأة في الثلاثين، وقفت أمام النجم غاري كوبر في فيلم «موروكو» وحجزت لها موقع لبؤة في غابة السينما العالمية. كان أجرها 1250 دولاراً في الأسبوع. ثروة بمقاييس 1930. وحين قامت الحرب، دارت النجمة الألمانية على القواعد العسكرية الأميركية والبريطانية تغني للجنود. وظهرت في عام 1944 في مشهد سينمائي بساقين مطليتين بالذهب. حدث كان كفيلاً بأن يشغل الصحافة بأكثر من تقدم الحلفاء على الجبهة الإيطالية.
لما تقدمت في السن وتراجعت الأدوار المقترحة عليها، استعاضت عن السينما بجولات استعراضية حول العالم ورفضت أن تخدش صورة «المرأة الساحقة». ويروي الكاتب الألماني فرانز هيسيل في كتاب خصصه لها، أن شخصيات بارزة كانت تحضر مجلسها ورجالاً مهمين يتحولون إلى أطفال في حضورها. وهي لم تعد إلى موطنها إلا في عام 1960. وقدمت عدة حفلات في المدن الألمانية حيث كان هناك من يستقبلها استقبال الأبطال ومن يلعنها في سرّه. وتقدمت منها شابة، وهي تهمّ بمغادرة فندقها في دوسلدورف وبصقت في وجهها. ولما رحلت في 1992 ودفنت في برلين، حسب وصيتها، نبش شباب من النازيين الجدد قبرها في العام نفسه. حكاية رمادية لسنة قاتمة وأخرى جديدة نتمناها وردية.