محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

أثر القيم على سلوكياتنا

حينما يحمل الإنسان قيماً نبيلة راسخة في وجدانه، لا بد أن ينعكس شيء من ذلك إيجاباً على سلوكه، والعكس صحيح.
وهذا ما أظهرته دراسة حديثة، سوف تنشر بعد أسابيع، أطلعني على مسودتها التي قبلت للنشر أستاذ علم النفس في جامعة الكويت الدكتور سعود الغانم، حيث توصل مع زميله الدكتور عبد الرحمن الفلاح إلى أن هناك رابطاً قوياً بين ارتفاع تدين الفرد وبين سلوكه الإيجابي لدى شريحة من الشباب بين سني 18 و23 عاماً. فتبين مثلاً أن أقوى المتغيرات الإيجابية المرتبطة بقيمهم الدينية كانت جلية في سلوك التفاؤل، والأمل، والسعادة، والرضا عن الحياة، ثم الحب، بحسب الترتيب آنف الذكر.
وحينما اتجه عالم آخر نحو أقصى الشرق وجد أيضاً أنه حينما يحمل أتباع الديانة الهندوسية مبادئ نبيلة، فإن ذلك يساعد الأكثر تديناً منهم على تحقيق درجات مرتفعة من السعادة (حسب مقياس جامعة أكسفورد)، فضلاً عن استخدامهم استراتيجيات ضبط عملية عند التحكم في انفعالاتهم، بحسب دراسة الدكتور سابانا سنجه عام 2014. وفي العالم الغربي قرأت، في أدبيات الدراسة، أن علماء آخرين قاموا في العام نفسه بدراسة اكتشفوا فيها أن المشاركين الذين يحملون ويمارسون قيم دينهم في سويسرا كانوا أكثر رضا عن حياتهم، وأحرزوا تقدماً ملحوظاً في صفحهم عن الآخرين، وحبهم وطيبتهم وامتنانهم، مقارنة بغير المتدينين، بحسب دراسة قام بها الباحثان «برثولد» و«ريش» في عام 2014.
لا يهمنا هنا مقدار التدين أو نوع الديانات، التي نكنّ لها جميعاً الاحترام، بقدر ما يهمني بصفتي متخصصاً في الإدارة ومهتماً بالتعاملات بين البشر أن الناس حينما يحملون «بصدق» مبادئ معينة، لا بد أن نلمس شيئاً من ذلك في سلوكياتهم. من هنا لا يمكن أن تجد خطة معتبرة لشركة أو فرد لا تنبثق من القيم values؛ فهي القاعدة التي تنطلق منها أهدافنا، ولاحقاً سلوكياتنا.
وهذا ما تقوم عليه كُبريات بيوت الاستشارات العالمية عندما تضع خطة ورؤية ورسالة، حيث تبدأ بالقيم العليا لدى الجهة أو الفرد لتصب الأساس المتين الذي سيبنى عليه التخطيط. فحينما تقول شركة ما أن الإتقان، والصدق، والأمانة هي مبادئها الرئيسية الأصيلة، يصعب أن نتخيل أن تكون أهدافها عكس ذلك، وإن كان البعض يفعل ذلك. وبقدر التناقض بين قيمنا وسلوكنا العملي يكون مقدار الصدمة لدى المتعاملين معنا، ناهيك إن كنّا ممن يدّعون التدين.
فلو أن الناس عموماً كانوا صادقين بالفعل فيما يعتنقون لارتقت سلوكياتهم؛ لأن المبادئ بمثابة البوصلة التي تحدد وجهتنا وخياراتنا وقراراتنا. وهذا مصداق قوله تعالى «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ». فإذا كان الشخص يعتنق بقناعة راسخة هاتين القيمتين سينعكس ذلك لا محالة على سلوكه.

[email protected]