ديفيد فون دريل
TT

حرب سيبرانية مكشوفة

تتعرض الولايات المتحدة وحلفاؤها للهجوم. واليوم، أصبح واضحاً أن الحرب السيبرانية التي طالما راودتنا المخاوف إزاءها على امتداد جيل كامل تحولت إلى واقع نعيشه، بل ونخسر أمامه أيضاً. هنا تحديداً يكمن لبّ القضية، بينما لا تشكل مسائل التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية والاتصالات بفريق الحملة الانتخابية لدونالد ترمب وحسابات «تويتر» الزائفة والأخبار الكاذبة عبر «فيسبوك» سوى أمور ثانوية.
في الواقع، لقد خالجنا القلق إزاء إمكانية تعرضنا لهجوم سيبري يؤدي إلى تخريب شبكة الإنترنت بما يعطل حركة التجارة أو يقطع إمدادات الطاقة. وتأتي الغارة الاستكشافية التي شنها قراصنة روس ضد منشآت نووية أميركية لتذكرنا بأن مثل هذه التهديدات أصبحت واقعاً قائماً. إلا أننا أخفقنا في الاستعداد للتصدي لهجوم بالغ التعقيد ويحمل طابعاً استراتيجياً. لقد نجح أعداؤنا في استغلال نقاط تفوقنا الثقافي، وحولوا الأدوات التي تجعلنا أقوياء - الريادة التكنولوجية وحرية التعبير والاقتصاد القائم على السوق والحكومات متعددة الأحزاب - ضدنا. ولا يزال الهجوم مستمراً حتى اليوم.
ومع كل أسبوع يمر، نعرف المزيد. لقد عمدت روسيا والمتعاطفون معها إلى استغلال انقسامات سياسية وثقافية قائمة في الغرب. كما استغلوا النظام اللوغاريتمي الذي يتبعه كل من «فيسبوك» و«غوغل» لنشر معلومات مضللة بين الأميركيين الأكثر احتمالاً لأن يصدقوا هذه المعلومات وأن يسعوا لنشرها. وقد عمدوا إلى نشر إعلانات إلكترونية مصممة لتأجيج أكثر حروبنا الثقافية احتداماً: الإجهاض وامتلاك الأسلحة والعرق. كما تعاونوا مع «ويكيليكس»، المنارة المزعومة لحرية التعبير، وعمدوا لبث دعايات عبر حسابات «تويتر» النافذة - بما في ذلك حساب منسوب لدونالد ترمب. كما اختلقوا آلاف الهويات الزائفة عبر الإنترنت لإشعال أزمات سياسية.
ومع هذا، تكمن عبقرية هذه الحرب السيبرانية في أن أبناء الغرب الغافلين يضطلعون بالجزء الأكبر من العمل، ذلك أن رغبتنا المحمومة في تصديق الأسوأ عن خصومنا السياسيين، تدفعنا لأن نكون فرائس سهلة أمام «الأخبار» الزائفة أو المشوهة الصادرة عن المعسكر المعادي للولايات المتحدة. من جانبها، تسعى وسائل الإعلام لدينا - من برامج إذاعية إلى قنوات إخبارية إلى مختلف وسائل التواصل الرقمية - إلى تقسيمنا إلى معسكرات منفصلة. في الحقيقة، لقد عمد الغرب إلى استغلال حالة الاستقطاب مادياً، بينما عمد أعداؤنا إلى تحويل هذا الاستقطاب إلى سلاح يشهره في وجوهنا.
واللافت أن ما ظهر بادئ الأمر على أنه هجوم مستهدف - المحاولات الروسية للقرصنة على الانتخابات الأميركية - اتضح بمرور الأيام أنه جزء من حرب أوسع وأخطر.
من جانبه، دق رئيس شؤون الأمن السيبراني ببريطانيا، كيارات مارتن، نواقيس الخطر، الأربعاء الماضي، بعد سلسلة من الهجمات ضد وسائل إعلام واتصالات عن بعد وبرامج ترتبط بقطاع الطاقة داخل بريطانيا. وقال مارتن: «تسعى روسيا لتقويض النظام الدولي - هذا أمر واضح تماماً». وقد دفعت هذه الهجمات وغيرها رئيسة الوزراء تيريزا ماي المنتمية لحزب المحافظين إلى توجيه تحذير شديد اللهجة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال كلمة ألقتها في لندن. وقالت: «نعلم تماماً ما تفعله، وأؤكد لك أنك لن تنجح فيه».
ومع هذا، تبدو ماي مخطئة بهذا الخصوص حتى الآن، ذلك أنه في خضم مساعيه لإلحاق الضعف بالتحالف الغربي الذي كبح جماح أطماع روسيا العالمية على امتداد 770 عاماً، دفع بوتين استفتاء الـ«بريكست» الذي عصف بالاتحاد الأوروبي. كما ساعد القراصنة العاملون تحت إمرته حركات قومية في فرنسا وألمانيا وهولندا وبولندا والمجر والتي تعمد إلى تقويض الاتحاد الأوروبي، وإن كانت قد أخفقت (حتى الآن) في الوصول للسلطة.
وتبعاً لما أعلنته ماي، فإن هدف بوتين يكمن في «زرع بذور الشقاق داخل الغرب»، في الوقت الذي يبدو للجميع أن ترمب يأكل وينام ويتنفس الشقاق والخصام! كما يدرك بوتين جيداً أن وسائل إعلامنا المعتمدة على اللوغاريتمات تتغذى على الصراع والغضب، وهو سعيد للغاية بإطعامها.
والتساؤل هنا: ما الذي يتعين علينا فعله عندما يتوصل خصم للسبيل الأمثل لاستغلال أقوى مؤسساتنا، وأكثر برامجنا الإخبارية التي تحظى بالمشاهدة، بل ونقاط ضعفنا، ضد مصالحنا الوطنية؟
- خدمة «واشنطن بوست»