ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

فلنترك هذا للمحامين

هل كانت هناك عملية سرية عادت بكارثة محققة مثل محاولة روسيا التدخل في الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية لعام 2016؟
حسناً، إننا نعلم جميع الأسباب التي تدعو موسكو إلى الشماتة والابتهاج: لقد صار دونالد ترمب رئيساً للبلاد، وأصبحت أميركا مقسمة ومرتبكة، والدعاية الروسية الهائلة للأخبار المزيفة باتت أوسع انتشاراً من قبل الناس في جميع أنحاء العالم.
لكن في مواجهة هذه الاستراتيجية الساخرة ثمة عملية يجسدها وجود المستشار الخاص روبرت مولر الثالث، الذي سوف نطلق عليه اسماً مختصراً، وهو «الحقيقة». ولقد حشد السيد مولر كل سلطات التحقيق في الحكومة الأميركية لتوثيق كيف قامت روسيا وأصدقاؤها بالتلاعب بالسياسة الأميركية. وصرنا نرى التطبيق الفعلي لسيادة القانون.
فلقد قام السيد مولر، بالفعل، بسحب الغطاء عن المكائد الروسية الخبيثة: إذ اعترف جورج بابادوبولوس، مستشار السياسة الخارجية الأسبق في إدارة الرئيس ترمب، بأنه تعمد الكذب على عملاء المباحث الفيدرالية، بشأن اتصالاته مع شخصيات على صلة بموسكو، الذين تعهدوا بوصم السيدة هيلاري كلينتون بكل نقيصة ممكنة، ووجهت الاتهامات إلى رئيس حملة ترمب الأسبق بول مانافورت بغسل 18 مليون دولار، في صورة مكافآت تحصل عليها من أصدقاء روسيا في أوكرانيا.

ولقد عرف العالم بأسره اليوم بشأن التدخلات الروسية في الانتخابات الأميركية. ومن شأن هذه المسألة أن تهيمن على المناقشات الأميركية خلال العام المقبل، على أدنى توقع ممكن. وفي أوروبا، في الأثناء ذاتها، تكتسب ردود الفعل المماثلة على عمليات التدخل الروسية زخماً وقوة. لقد تصور الرئيس فلاديمير بوتين ذات مرة أن ترمب سوف يكون بمثابة جسر العودة الروسية من حالة العزلة الدولية. ليس بعد الآن بكل تأكيد.
وعلى امتداد الحروب، كانت روسيا تلعب دائماً في خط الوسط، في المنطقة العازلة ما بين الحرب والسلم. أما الآن، ومع تركيز العالم بأسره على سوء التصرفات الروسية، فهل سوف تكون خطوة الكرملين التالية صعوداً أم هبوطاً؟
أدلى الرئيس بوتين ببعض التعليقات مؤخراً والتي أثارت قلقي. قبل اجتماعه مع المجلس الأمني الروسي الخاص في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، أعلن الرئيس الروسي أنه بمعرض تعزيز سياسات الحرب السيبرانية كي تأخذ في اعتبارها «ذلك المستوى من التهديد في مجال المعلومات والآخذ في الارتفاع». كما أنه اقترح إدراج «تدابير إضافية» تهدف لمكافحة الخصوم وحماية روسيا. وقال إن روسيا، وبكل بساطة، تقوم بحماية مواطنيها من مجرمي الإنترنت، غير أن لهجته كانت تأكيدية؛ إذ قال: «من الضروري أن نكون صارمين فيما يتعلق بأولئك الأشخاص والجماعات التي تستخدم الإنترنت والفضاء المعلوماتي لأغراض إجرامية».
بالنسبة لي، بدا ذلك وأنه محاولة من بوتين لمضاعفة الاقتراح الروسي لتشكيل «الفضاء المعلوماتي» بأي وسيلة ضرورية. ولقد تعزز هذا المقترح بدعوته إلى إنشاء «نظام لأمن المعلومات الدولية»، وفيه تسعى روسيا إلى فرض قواعد جديدة على الإنترنت من خلال منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية ذات المرونة. وهذا تهديد أشرت إليه في مقال سابق، ولقد تأكد الآن من خلال تصريحات الرئيس الروسي.
ولقد سُلطت الأضواء على النطاق المحتمل للعمليات السيبرانية الروسية في تقرير مر مرور الكرام صادر عن وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية، ويحمل عنوان «القوة العسكرية الروسية: بناء المؤسسة العسكرية لإسناد تطلعات القوى العظمى». ويخلص التقرير إلى أن روسيا تعتبر الفضاء المعلوماتي من المجالات الرئيسية في الصراعات العسكرية الحديثة... ومن الأهمية بمكان السيطرة على السكان المحليين والتأثير على الدول المعادية.
وتوضح وكالة الاستخبارات الدفاعية كيف «تسعى الدعاية الروسية للتأثير، وإرباك، وإضعاف معنويات جمهورها المقصود». والتقرير يصف المتصيدين، والروبوتات، والمنظمات السرية الروسية. ومن بين الموضوعات الرئيسية للدعاية الروسية، كما يقول التقرير الدفاعي الأميركي، هي رسالة ستيف بانون المعلنة: «النظام العالمي الليبرالي الغربي مفلس، وينبغي أن يحل محله نظام عالمي أوراسي غير ليبرالي من المحافظين الجدد، ذلك الذي يدافع عن التقاليد، والقيم المحافظة، والحريات الحقيقية». ولنتذكر أن هذا الكشف عن يد موسكو الخفية يأتي من داخل وزارة الدفاع الأميركية في إدارة الرئيس ترمب.
وإليكم الأثر الاستراتيجي لتحقيقات السيد مولر: إنه يفحص الجهود المبذولة من جانب روسيا وحلفائها الأجانب للتلاعب بالنظام السياسي الأميركي، كما أنه يكشف عن العمليات السرية ذات الصلة. واعتراضات الرئيس ترمب بتغريدات «ملاحقة الساحرات» و«الأخبار الوهمية» تشبه الكلمات التي تستخدمها وسائل الإعلام الحكومية في موسكو.
وربما نحن على وشك مشاهدة جدول زمني محدد: في مارس (آذار) 2016، التقى بابادوبولوس مع «بروفسور» على اتصال بروسيا.
قد يكون السيد ترمب متواطئاً، أو غير متواطئ، مع روسيا خلال حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016، لكننا سوف نترك هذا السؤال للمحامين. ولكن إن كان السيد ترمب يسعى لإخراج تحقيقات السيد مولر عن مسارها، فإنه يتآمر ضمناً مع الجانب الروسي في هذا الأمر. ووفقاً لتعريف الكثير من الناس، سوف يكون ذلك من قبيل مساعدة قوة أجنبية؛ الأمر الذي يمكن اعتباره «جريمة كبرى أو جنحة». فضلاً، لنترك السيد مولر ينتهي من عمله في كشف التلاعبات الروسية.
* خدمة «واشنطن بوست»