حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

هل ثمة إسلام سعودي؟

حزنتُ كثيراً وامتعضتُ أكثر بسبب مصطلح «الإسلام السعودي» الذي حصل على براءة اختراعه الشيخ أحمد الريسوني، أحد علماء المغرب الأجلاء ومجتهديهم، وليس مصدر حزني فَرَقاً وخوفاً على السعودية من تشنج هذا الوصف المنفر والنعت الحاد، أبداً، فما عهدنا أن جبلاً أشم يتأثر من عاتي الرياح ناهيك عن نسيمها، ولكني حزنتُ أن هذا الوصف «غير العلمي» صدر من شخصية «علمية» راسخة، فالشيخ الريسوني عالم مغربي متخصص في علم المقاصد. ساهم في تأسيس الجمعية الإسلامية بالمغرب، وكان أول رئيس لها، ثم ترأس فصيلاً إسلامياً في المغرب اسمه «حركة التوحيد والإصلاح»، وهو أيضاً عضو في المجلس التأسيسي لهيئة علماء المسلمين في رابطة العالم الإسلامي؛ فالشيخ الريسوني شخصية علمية من الوزن الثقيل لا يليق أن يصدر منها وصف من الوزن الخفيف مثل «الإسلام السعودي».
وأرجو ألا يتصور الشيخ الريسوني ولا غيره أن الامتعاض من هذا الوصف المنفر إنما هو ضيق وتبرم من نقده وملاحظاته على المنهجية العقدية والدعوية والفقهية التي ارتأتها المراجع العلمية المعتبرة في المملكة العربية السعودية والتي وردت في مقالة له، فما من مناهج وأفكار ورؤى وطرائق إلا راد أو مردود عليها، وكثيرٌ منها اجتهادات بشرية تصيب وتخطئ، ولهذا فالسعودية تراجع ذاتها ومناهجها وطرائق «التسويق» لديها، وتراقب «أذرعتها» الدعوية والأكاديمية والفكرية والتربوية، ولا تقر أبداً حدية الطرح وإقصائية التعامل ولا التواصل مع المخالف بروح استعدائية يسندها السباب والانتقاص، وتصحح وتعدل وتحذف وتضيف مثلها مثل أي كيان عالمي عريق، ونتيجة لهذه المراجعات واحتفاء بالملاحظات أسست السعودية مركزين مهمين للحوار الوطني والعالمي؛ الأول في السعودية ينتظم في عقده نسيج موزاييكي من أتباع المذاهب الإسلامية الفقهية والعقائدية والفكرية، والثاني في فيينا وينتظم في عقده ألوان الطيف العقائدي العالمي، ومع ذلك فالباب مفتوح للشيخ الريسوني لتقديم أطروحاته ونقده وملاحظاته وهو فعلاً ما ضمنه مقالته الآنف ذكرها.
إنما الذي لا يمكن تحمله من الشيخ الريسوني ولا قبوله حين تَسْخُنُ عملية نقده فتتحول إلى «شخصنة دولية» تستهدف دولة محورية لها مكانتها المرموقة عربياً وإسلامياً ودولياً، فوصْف الإسلام بأنه سعودي يفتح الباب على مصراعيه لأوصاف مماثلة لمجرد الاختلاف، فيبرز للسطح الإسلام المصري والإسلام الخليجي والإسلام الجزائري والإسلام المغربي والإسلام الصوفي والإسلام الإخواني والإسلام الجهادي والإسلام المهادن والإسلام الصوفي، وغيرها من التسميات، وهذا ما لا يليق بالإسلام ولا الأدب معه، حتى لو وجدت أخطاء في الممارسات، فليس مقبولاً أن يُضفى على الإسلام بسبب الأخطاء وصف إقليمي، لأن كل دولة إسلامية، لا تخلو قط من ممارسات واجتهادات خاطئة في مرجعياتها العلمية والشرعية أفراداً ومؤسسات، فهل يعقل أن نضفي على الإسلام صفة الدولة التي مورست فيها اجتهادات خاطئة؟ إذا كان الجواب «لا»، وهو ما لا يمكن أن يحتمل غيره، فما الذي يستثني السعودية من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية؟ وقد أسهب الصديق الدكتور محمد السعيدي في التعقيب على مقالة الشيخ أحمد الريسوني في مقالة مفصلة ومؤصلة عنوانها «الصبر الجميل على عثرة الشيخ الجليل؛ رد على أغاليط الشريف الريسوني بحق السلفية».