محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الخروج من «صومعة الراحة»!

من أشهر المفاهيم في أدبيات «البزنس» الإنجليزية مصطلح «منطقة الراحة» أو comfort zone الذي يعرفه قاموسا أكسفورد وكمبريدج بأنه «حالة تشعرنا بالأمان والارتياح» أو منطقة الراحة التي لم تتعرض فيها قدراتها لاختبارات تضعها على المحك. بمعنى أنها تلك الأحيان التي تكون فيها ضغوطاتنا النفسية ومشاعر القلق في أدنى مستوياتها.
صحيح أن هذا هو مُنى كل إنسان، لكنه في الواقع أقرب للمفهوم العسكري «مكانك راوح».. حينما يهرول الجنود في الميدان بعرض جماعي جميل لكن أحداً منهم لم يتقدم قيد أنملة. ولذا كان أمهر العدائين واللاعبين هم أولئك الذي يبذلون جهداً مضاعفاً يخرجهم من يوميات الراحة إلى تمرين أكثر قوة يصقل قدراتهم. فخروجنا من «صومعة الراحة» مثل شد العضلات يؤلم لكنه يمنحنا لياقة بدنية عالية لتحديات الحياة.
والخروج من «منطقة الراحة» يتجلى في التعلم، لأن مشقة طلب العلم قد لقنت صاحبها درساً لن ينساه في اكتساب شيء جديد مليء بالتحديات. فتصبح تلك التجربة غائرة في ذهنه. وهذا ما لا يبرر الاستسلام للخوف. ذلك أن الخوف يقف بالمرصاد لكل محاولات خروجنا من صومعة الراحة. وهذا الخوف، غير المبرر، الذي نتحاشاه هو ما يحول بيننا وبين معالي الأمور، لأنه في الواقع دافع إيجابي يجعلنا حينما نقبل تحدياً كبيراً نجابهه بتركيز كبير، ودقة، وسرعة في إنجاز العمل قبل موعد التسليم. وتجاهل الخوف لا يعني مطلقاً أن نلقي بأنفسنا إلى التهلكة.
معظم البلدان المنهارة في الحرب العالمية الثانية خلعت عباءة الراحة وشمر أبناؤها عن سواعدهم فصار هدير مصانعهم يقذف بأفضل المنتجات إلى شتى أرجاء المعمورة، فحجزوا لهم مكاناً في ركب التقدم. وكذلك الحال في كل «بزنس» مبهر وناجح كان وراءه محاولات النهوض من أريكة الراحة والتقاعس.
ومن الحكمة العودة لمنطقة الراحة حينما تتكالب علينا الضغوطات الهائلة حفاظاً على صحتنا، ولا نقصد تلك الضغوطات المعقولة التي ستمضي بعد حين من عبورنا لقنطرة الراحة. ذلك أن وطأة الضغوطات المعقولة هي مؤشر صحي على أننا بدأنا في تعلم أمر جديد، أو اكتساب مهارة جديدة، أو علاقة جديدة كنا نخشاها كالتعامل مع مدير صعب المراس غير أن لديه من العلم ما يستحق أن «تثنى عنده الركب».
ولحسن الحظ فإن منطقة الراحة قد تأتي أيضاً بعيد إتقان أمر شاق، عقب تحوله إلى عمل روتيني كقيادة السيارة بتلقائية. وحينما نتعلم قيادة الشاحنة أو الزوارق البحرية فإننا ندخل منطقة جديدة من التحدي، «فإن مع العسر يسراً»، كما قال تعالى. هذا المثال يوضح كيف تتعمق تجربة الفرد في معترك الحياة. وهذا ما يجعل أحدنا يستحق أن يشار إليه ببنان الإعجاب وآخر ببنان الكسل والتراخي.
ولأن معظم الناس العاديين يقف وراءهم ترددهم في الخروج من «صومعة الراحة»، كاختيار وظيفة أو مشروع حياة فيه تحدٍ كبير، فإن الكاتب الأميركي نيل ويلتش يذكرهم بقوله إن «الحياة تبدأ في نهاية منطقة راحتك».
[email protected]