نيكولاي كوزانوف
زميل باحث في «تشاتام هاوس» بلندن ومحاضر في الجامعة الأوروبية في سان بطرسبورغ
TT

روسيا ومستقبل اتفاق «أوبك»

لا يزال مصير مشاركة روسيا في اتفاق «أوبك» غير واضح المعالم، ذلك رغم التوقعات الحالية، قد تخرج روسيا من الاتفاق بعد مارس (آذار) 2018.
في 28 أغسطس (آب) 2017، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» استعداد روسيا للدفع من أجل تمديد «اتفاق أوبك» إلى ما بعد مارس 2018. ويشمل هذا الاتفاق على الدول الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة «أوبك» الذين وافقوا في عام 2016 على خفض إنتاجهم النفطي حتى يتسنى تشجيع نمو أسعار النفط في الأسواق العالمية. ومع ذلك، بالنسبة إلى الكرملين على أدنى تقدير، لا ينبغي اعتبار النية المعلنة بدعم استمرار تنفيذ الاتفاق لما بعد الموعد النهائي المحدد في البداية انعكاساً للقرار النهائي المتخذ من القيادة الروسية. وفي يوليو (تموز) 2017، عطف المشاركون في الاجتماع الوزاري لأعضاء «اتفاق أوبك» المنعقد في سان بطرسبرغ على مسألة تمديد مدة الاتفاق. ورغم ذلك، تجنب وزير النفط الروسي ألكسندر نوفاك الإجابة عن التساؤلات المباشرة المتعلقة بشأن تمديد «اتفاق أوبك» إلى ما بعد شهر مارس المقبل وهناك أسباب محددة لذلك.
في الواقع، قد يتغير موقف الكرملين من الاتفاق. وحتى الآن، تعتقد موسكو أن تنفيذ «اتفاق أوبك» هي الفترة المثلى، وأن المهمة الرئيسية للجانب الروسي هي ضمان بقاء الاتفاق ساري المفعول حتى ذلك التاريخ. ومع ذلك، إذا قررت موسكو تمديد مشاركتها في الاتفاق سيواجه مؤيدو الاتفاق في الحكومة الروسية المشكلات للحصول على موافقة بالإجماع لأجل ذلك.
وكما ذكرت وسائل الإعلام الروسية، فإن الشركات الروسية تستعد لمواجهة انتهاء الاتفاق بحلول عام 2018. وبالتالي، ووفقاً للمحللين في مصرف «سبيربانك»، أكبر وأقدم المصارف الروسية قاطبة، تستعد روسيا بحلول عام 2018 إلى زيادة إنتاجها النفطي من المستوى الحالي بواقع 10.95 مليون برميل يومياً إلى 11.2 مليون برميل يومياً، مع إمكانية زيادة إضافية في الإنتاج تصل إلى 11.6 مليون برميل يومياً في عام 2019. ومن أبرز الأمثلة على ذلك شركة «ليوكويل» وشركة «روسنفت» الروسيتان. وبحلول يوليو 2017، واصلت هاتان الشركتان زيادة إمكاناتها الإنتاجية من النفط. على سبيل المثال، ارتفع حجم إنتاج شركة «روسنفت» بنسبة 22 في المائة خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2017. أما بالنسبة إلى شركة «ليوكويل»، فقد بلغت النسبة 26.5 في المائة. كما كانت هناك أيضاً زيادة كبيرة في إنفاق على أعمال الاستكشاف (بنسبة 20 في المائة تقريباً).
أولاً، قبل كل شيء، هناك مشاعر إحباط في أوساط الشركات الروسية فيما يتعلق بتأثير الاتفاق على أسعار النفط. ونجح تنفيذ «اتفاق أوبك» في استقرار أسعار النفط العالمية، لكن مستوى الأسعار لا يزال أدنى مما كان متوقعاً في البداية. إلى جانب ذلك، يتوقع خبراء روس أن تنخفض أسعار النفط إلى ما دون 45 دولاراً للبرميل في عام 2018. وينبغي لشركات النفط والغاز الروسية الشعور بشيء من القلق بشأن تمديد الاتفاق وآثاره السلبية المتوقعة على خطط الشركات الرامية إلى إطلاق المشروعات الجديدة الهادفة إلى زيادة الإنتاج المحلي من النفط بين عامي 2019 و2025. وبصرف النظر عن هذا، يعتقد خبراء أنه، في حين عدم مقدرتهم على زيادة الأرباح بشكل كبير، فإن «اتفاق أوبك» قد أتاح المزيد من الفرص الإضافية للشركات الروسية المنافسة في سوق الطاقة والتي قررت عدم الانضمام إلى الاتفاق.
رغم كل شيء، فإن العوامل الاقتصادية السلبية التي قد تدفع موسكو للانسحاب من الاتفاق يقابلها عدد من العوامل السياسية الأخرى التي، بشكل غير متوقع، تعزز من الدوافع الروسية للاستمرار في الاتفاق حتى مارس 2018 على أدنى تقدير:
أولاً، تستعد روسيا لإجراء الانتخابات الرئاسية التي من المفترض أن تنعقد في مارس لعام 2018. ويرغب الكرملين في ارتفاع أسعار النفط ما يسمح بجمع ما يكفي من الأموال لتنظيم حملة الرئيس فلاديمير بوتين الانتخابية وتأكيد المقدرة المالية للكرملين لضمان فوزه. في مايو (أيار) 2017، كانت ضرورة جمع الأموال عشية الانتخابات أحد الأسباب التي دفعت موسكو إلى اقتراح تمديد فترة الاتفاق بواقع 9 أشهر بدلاً من فترة 6 أشهر المخطط لها في بادئ الأمر (أي حتى مارس 2018). ومن خلال ذلك، ضمنت روسيا إمكانية التأثير على أسعار النفط العالمية حتى ميعاد الانتخابات.
كما تحتاج موسكو إلى الأموال أيضاً لشراء ولاء السكان عشية الانتخابات الرئاسية. وبالتالي، تحاول السلطات الروسية كسب دعم الطبقات المتدنية من السكان من خلال تنفيذ برامج اجتماعية ممتدة. على سبيل المثال، في 2018، تخطط موسكو لإطلاق برنامج كوبونات الطعام للأسر المحدودة الدخل الذي سيغطي نحو 15 إلى 16 مليون مواطن.
ورغم أن كل مواطن ضمن هذا البرنامج سيحصل على أقل من 30 دولاراً في الشهر لشراء المواد الغذائية الإضافية، فإن المقدار السنوي للأصول المخصصة لهذا البرنامج سيكون مرتفعاً للغاية على الميزانية الروسية – بنحو 4 مليارات دولار.
وباعتبار أن العائدات النفطية تمثل المصدر الرئيسي للدخل القومي الروسي، فإن ارتفاع أسعار النفط من العوامل ذات الأهمية لتأمين التمويل اللازم لتنفيذ هذه البرامج الاجتماعية الحكومية.
والاقتصاد الروسي القائم على النفط يعتمد بشكل حاسم على تقلبات أسعار النفط والتي تؤثر التغيرات فيها فوراً على المعاملات الرئيسية للاقتصاد الكلي الروسي مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي، والتضخم، وأسعار صرف الروبل. وفي عشية انتخابات 2018 الرئاسية، من المهم أيضاً بالنسبة إلى موسكو إظهار الأداء الاقتصادي الطبيعي والجيد، وبالتالي، إظهار للمواطنين الروس أن بوتين قادر على الوفاء بوعوده للنمو الاقتصادي.
ومن الجدير بالذكر، في ربيع عام 2017، أعادت وزارة التنمية الاقتصادية الروسية حساب توقعاتها لما تبقى من عام 2017 بناء على افتراض تمديد الاتفاق النفطي حتى أوائل عام 2018. وبالتالي، وفي مايو - يونيو (حزيران) لعام 2017، توقعت الحكومة الروسية بلوغ التضخم مستوى 3.8 نقطة مئوية بدلاً من المستوى المتوقع أولاً وكان 4 نقاط مئوية. كما توقعت الحكومة أيضاً إمكانية انخفاض عجز الميزانية بواقع نقطتين مئويتين (المستوى المتوقع في بداية عام 2017). وفي أواخر أغسطس 2017، تحسنت توقعات وزارة التنمية الاقتصادية الروسية بشأن أداء العملة الروسية. وقال خبراء الوزارة إن سعر صرف الروبل في مقابل الدولار في عام 2017 سوف يكون 59.7 روبل لكل دولار بدلاً من السعر المتوقع أولاً وكان 64.2 روبل لكل دولار، في حين أن الدولار سيشتري 64.7 روبل روسي في أوائل عام 2018 بدلاً من سعر 69.8 المتوقع سالفاً.
ونتيجة لذلك، فإن مؤيدي اتفاق «أوبك» في الكرملين لديهم حجج قوية وجدية لصالح تمديد زمن الاتفاق المبرم.
رغم ما تقدم، فإن موسكو لا تعتبر الاتفاق بالأمر الذي تريد الاحتفاظ به إلى الأبد. وحتى الآن، يبدو الكرملين غير مستقر على قرار أكيد ما إذا كان تمديد «اتفاق أوبك» في صالحه من عدمه. وستتوقف كثير من القرارات على الأوضاع في سوق النفط العالمية التي لا تزال متقلبة للغاية. وفي ظل هذه الظروف، فإن قرار تمديد زمن الاتفاق سيُتخذ في موعد أقصاه نوفمبر (تشرين الثاني) أو ديسمبر (كانون الأول) من عام 2017 عندما يكون من الممكن التنبؤ بكيفية تطورات سوق النفط العالمية خلال الأشهر الأولى من عام 2018.
وعلاوة على ذلك، كلما ازدادت سوق النفط تقلباً، تقلصت الفترة قبل نهاية الاتفاق عندما تتخذ روسيا القرار بشأن استمرار المشاركة في «اتفاق أوبك». وفي ظل هذه الظروف أيضاً، فإن استنتاجات صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن روسيا ستدعم تمديد زمن الاتفاق لما بعد مارس 2018 قد تكون سابقة لأوانها بعض الشيء. وربما أن تصريحات الوزير نوفاك بأن خيار التمديد غير مستبعد تماماً تتعلق بالأسباب التالية:
من ناحية، تريد القيادة الروسية المحافظة على نافذة الفرص مفتوحة. وبالتالي، فهي تناقش تمديد زمن «اتفاق أوبك» مع الدول الأعضاء في «اتفاق أوبك» للوقوف على آرائهم وللمقدرة على الشروع في تمديد الاتفاق عندما يتخذ الكرملين القرار بأن هذا التمديد يصب في مصلحته.
ومن ناحية أخرى، تهتم روسيا بالشكل الذي سينتهي الاتفاق وفقاً له. وقال الوزير نوفاك إنه لا حاجة للمغادرة المفاجئة وإن الخروج من الاتفاق لا بد وأن يتم بكل سلاسة وهدوء حتى لا تسبب نهاية التنفيذ صدمة في الأسواق قد تسفر عن انهيار أسعار النفط العالمية.
وبالتالي، فإن روسيا لا تستبعد أن تبدأ في تمديد زمن الاتفاق اعتباراً من مارس 2018 للمرة الأخيرة وللحد الأدنى من الفترة المسموح بها لإتاحة الفرصة أمام المتداولين لتعديل خططهم واستراتيجياتهم وفقاً لذلك.
ومن واقع وجهة النظر المطروحة، فإن التمديد الإضافي لمدة ثلاثة أشهر أخرى قد يكون جزءاً من استراتيجية الخروج الروسي من الاتفاق. ولا تزال موسكو غير واثقة أو متأكدة إن كانت في حاجة إلى ذلك التمديد من عدمه.

* خاص بـ«الشرق الأوسط»