فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

قطر وخرافة مكافحة «الظاهرة الإرهابية»

تبدو الأزمة القطرية مع الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب ليست في صالح النظام القطري. المعارضة تجد لها حيثيةً بالواقع القطري. القبائل تحتشد بوجه النظام القطري باعتباره داعماً للإرهاب، وذلك بإجماع الدول المعتدلة في العالم. ويحاول رموز النظام التجول بين الدول. الملاحظ أن وزير خارجية قطر وأميره تميم يكرران في الخطابات الإعلامية مفردتين هما: «التركيز على محاربة جذور الإرهاب» و«محاربة الظاهرة الإرهابية»، وهاتان الكلمتان لم أجد سبباً للجوء إليهما إلا أن النظام يحاول أن يهرب من الشرط الدولي لإنهاء الأزمة والمتمثل بالكف الصريح والواضح عن دعم الإرهاب، وبرهان
ذلك أن وزير خارجية قطر قال إن دولة قطر «من أقل الدول في العالم دعماً للإرهاب»، وهنا مكمن المراوغة، وإلا فلا يمكن الظنّ بأن الدبلوماسية القطرية تفهم معنى «الظاهرة» بمعناه المتداول بمجال الدراسات الإسلامية التطبيقية، أو المجالات الفلسفية، بل هي صيغة أوجدت لاستبدال كلمة «الكف عن دعم» واللجوء لعبارة «محاربة الظاهرة».
قطر تقول إنها تختلف مع الدول الأربع بتعريف وتوصيف «الإرهاب»، فجبهة النصرة، وحماس، وحزب الله، والقاعدة، والإخوان المسلمين ليست جماعاتٍ إرهابية، وذلك بحسب تسجيل مصور لأمير قطر ومشهود ومتداول، هنا تدخل قطر على خط إنكار وجود «الإرهاب»، فما هي إذن الجماعات الإرهابية وفق القاموس القطري؟! الدول العربية الأربع تعتبر كل الجماعات الآنف ذكرها جماعاتٍ إرهابية، وكذلك الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لكن قطر حتى الآن لم تطرح لائحةً بالجماعات الإرهابية، بل فتحت المطار للحشد الشعبي، والحرس الثوري، وفتحت مكاتب لطالبان، واستقبلت وأيدت الحوثي في الحربيْن، وذلك وفق رواية شخصٍ كان في قلب المعمعة حينها، وأعني به المخلوع علي عبد الله صالح. المشكلة أن قطر ليست لديها جماعات إرهابية في قانونها الداخلي، ولم تصدر وزارة الداخلية القطرية أي لائحة بالجماعات المسلحة المحظورة، ولا بقائمةٍ لأشخاص مطلوبين لديها.
في الحوار الذي دار بين جاك دريدا وهابرماس بإدارة جيوفانا بورادوي تحت عنوان «الفلسفة في زمن الإرهاب» أقف على تحديدٍ مهم لفهم «الظاهرة الراديكالية». يقول هابرماس إن تلك الظاهرة «حديثة» بالمعنى التقني، ويقارن بالعمليات الفلسطينية التي تعتبر تقليديةً، مقارنةً بممارسات تنظيم القاعدة، ثم يضيف: «إننا نستخدم الحكم على الراديكالية لوصف ذهنيةٍ خاصة ذات موقف متصلب، تصر على فرض قناعاتها وأسبابها، ولو كانت بعيدةً عن أن تكون مقبولةً عقلياً». من هنا يكون الإرهاب وصفاً سابقاً على عمليّة الإرهابي، وهذا ما ينقص قطر أن تمتثله، فهي إن جرّمت الإرهاب - مثلاً - لن تستطيع تجريم التطرف، بدليل رعايتها لجمع غفير من المتطرفين في كل أنحاء العالم.
في كتابه المهم «بحثاً عن المقدّس - البعث والأصولية» يتحدث حمّود حمّود في فصل بعنوان «المسألة الأصولية معرفياً: إشكالية الظاهرة وسؤال البنية.. يتحدث عن أن «البعض يقرّ أن الأصوليين أنفسهم لا يعرفون ماذا يريدون، لكنْ هناك إشكاليتان رئيسيتان؛ الأولى، أن قسماً كبيراً ممن يقاومون الأصولية لم يستطيعوا إلى الآن استيعاب المنطق الذي يتحدث به الراديكالي، فضلاً عن فهم الذهنية التي تقولب كيانه العقلي والإنساني. والثانية، أن معظم الأبحاث والدراسات حول الإرهاب جاء بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. على الرغم من أن الأصولية ليست ظاهرة جديدةً في التاريخ، ثم يشير إلى أن الظاهرة الراديكالية ليست بالضرورة أن تكون مسلحةً؛ إذ أن «معظم الحركات الأصولية هي حركاتٍ غير مسلحة. فهم يمتلكون عنفاً آخر على الحياة وعلى أنفسهم وعلى الآخرين».
صلب أزمة قطر أنها بكل هيكليتها جاهلة بمعنى التطرف والإرهاب، إذ لم تطرح منذ أحد وعشرين عاماً تعريفاً واحداً للتطرف، بل فتحت قنواتها ومنابرها لزعماء تنظيمات إرهابية من حسن نصر الله إلى أسامة بن لادن وأبي محمد الجولاني، هذا فضلاً عن مطلوبين أمنياً وكانت أكبر سمسار بسوق أشرطة تنظيم القاعدة، إذ بلغ شراء شريطٍ واحدٍ أكثر من مليون دولار كما يروي الإعلامي يسري فودة في مذكراته.
متأكد أن وزير الخارجية القطري لا يفهم معنى «الظاهرة الإرهابية» ولا يستطيع أن يحددها بالمعنى المحدد الذي لا غبش فيه، بل يستخدم هذا التوصيف هرباً من مواجهة الحقيقة الدامغة أن قطر تدعم الإرهاب وترعاه وتغذيه في كل أرجاء العالم، وذلك الدعم واضح وبيّن.
وليس يصحّ في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل