مع ضحى الأحد الماضي، ساد الأمل أوساط معظم الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، ورأى أغلبهم أن التفاؤل هو الأولى أن يتسيَّد المشاعر. لكن ذلك لم يمنع بعض الناس من إشهار تشاؤم الشك في أن يرى اتفاق القاهرة بين حركتي «حماس» و«فتح» أكثر من نور أضواء إعلام اللحظة، ثم سرعان ما يتوارى وراء ظلال اتفاقات سبقته، وما نال أي منها من التطبيق سوى فرقعة تصريحات، وتبادل اتهامات بشأن المسؤول عن التعطيل. بلا كثير جدال، يمكن القول إن جموع التفاؤل على صواب، وفي المقابل يمكن العثور على قائمة أعذار للمتشككين، ولو أنهم أقلية، في أن يضع زعماء الحركتين الفعل موضع القول، فيمارسون ما يقولون، ولا يكتفون بوضع توقيعاتهم على الورق ثم ينسونها، ويلتفتون إلى ما تمليه مصالح أطراف خارجية، آخر همّها هو أن يتصالح زعماء التنظيمات الفلسطينية كافة - ليس «حماس» و«فتح» وحدهما - مع أنفسهم، أولاً، كي يتصالحوا، مِن ثَمّ، مع أغلبية شعبهم، ويثبتوا بالفعل أن أرض فلسطين، أشجار زيتونها، كروم أعنابها، بيارات برتقالها، آمال أيتام وأرامل قتلاها بالغد الأفضل، حقوق أسراها في الانعتاق من قيود الأسر، مصالح حاضر أهلها، وضرورات مستقبل أجيالها، تأتي في المقام الأول، وتسبق مقامات غيرها، أياً كانت توجهاتها، وبصرف النظر عمن هو مرشدها، أو ولي أمر صناديق أموالها. هل يحدث ذلك؟ وهل تثبت عزائم قيادات كل تنظيمات الفلسطينيين أنها على قدر عزم مسؤولية شعب أعطى بلا حساب طوال السبعين عاماً الماضية، فيما أغلب الزعامات المنتسبة إليه حقاً، وتلك المحسوبة عليه زوراً، تأخذ من حساب قضيته عاماً بعد عام، وحرباً بعد حربٍ، فقط كي تضيف إلى رصيدها تفاخراً، وإلى صدورها أوسمةً، وإلى سجلاتها صفاتٍ تضافُ لأسمائها بلا قيد أو شرط؟
استناداً لمبدأ النظر إلى النصف الممتلئ من كوب الماء، يمكن التذكير بأن التفكير بإيجابية على كل الصُعد، بما فيها الشأن الفردي، هو أمر إيجابي، فهو إن لم ينفع، إذا تحقق فعلاً، فالأرجح أن مجرد افتراضه لن يضر أو يجر ندماً. يصح هذا في شأن التعامل مع ما توصل إليه وفدا «حماس» و«فتح» في القاهرة. ليس ثمة جدوى، الآن، تُجنى من النواح على ما مضى. صحيح أن عشر سنوات ما هي بالزمن القصير، خصوصاً في عمر شعب لم يزل في كفاح مستمر لإثبات مشروعية حقه في أرضه منذ وعد بلفور المشؤوم قبل مائة عام تقريباً (2/11/ 1917). وصحيح أن خلاف «حماس» و«فتح» لم يكن له أي أساس وطني أصلاً، إنما لعل له ألف أصل فئوي. كذلك يصح القول إن انقلاب حركة «حماس» على السلطة وأطقمها الأمنية والإدارية في قطاع غزة مطلع صيف 2007 وما صاحبه من فظائع وتنكيل ومطاردات بين أبناء وطن وقضية، مرفوض بكل المقاييس الوطنية. لكن يجوز الافتراض كذلك أنه كان بوسع سلطة مُعترف بها عربياً وإسرائيلياً ودولياً، أن تُجهض الانقلاب وتفرض سلطتها بالقوة إنْ لم يُجدِ الإقناع. نعم، كان بوسع كل الأطراف إنهاء ملهاة الانقسام تلك في خمس ساعات أو خمسة أيام، لو شاءت، ولو طالت المدة ربما استغرقت خمسة أشهر، وليس عشرة أعوام وخمس جولات تفاوضية.
مع ذلك، لعل الأنسب هو تغليب التفاؤل على التشاؤم. ومع واجب تسجيل التقدير للجهد المصري المشكور في جمع قيادات الحركتين حول طاولة التفاهم، بديهي القول إن كل شيء رهن صفاء النيّات، أولاً: من جانب طرفي المعادلة الأساس، أي قيادات حركتي «حماس» و«فتح». وثانياً: من قِبل أطراف إقليمية ودولية ليس خافياً على أحد دور كلٍ منها ومدى نفوذها في الساحة الفلسطينية. مثلاً، مهم ما تردد لجهة رفع «فيتو أميركي - إسرائيلي» كان يقف ضد التفاهم الفلسطيني. إن صح هذا، يبقى الأهم أن يُرفع «فيتو» أطراف بوسعها تخريب أي اتفاق بين الفلسطينيين لا يحظى برضاها، وفي مقدمها الطرف الإيراني ومن يدور في فلكه. الأرجح أنه خلال الأسابيع، وليس الأشهر، المقبلة سوف يتضح الخيط الأبيض من الأسود، فإن لم تمضِ خطوات تنفيذ نصوص اتفاق القاهرة على الأرض الفلسطينية بلا مساومات، أو شروط، مَنْ يأخذ ماذا، فلا مناص وقتئذٍ من التسليم بأن معسكر التشاؤم كان الأصح. دعونا نأمل، أن تبقى الغلبة للتفاؤل، فذلك أوجب وأدعى.
8:2 دقيقه
TT
الفلسطيني بين تفاؤل وتشاؤم
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة