ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

المطالبة بإعادة أمين المظالم الصحافي

كيف يمكن للمنظمات الإخبارية تفادي الفخ الذي نصبه لهم الرئيس دونالد ترمب عبر تهجماته على وسائل الإعلام بوصفها «حزباً معارضاً شديد التحيز» والتي توائم النخب المعارضة للرئيس ترمب وتحيك الأخبار المزيفة للقراء والمشاهدين؟
يكمن جزء من الإجابة في مواصلة الصحافيين القيام بأعمالهم، بكل قوة وكل نزاهة. فإننا لسنا معنيين بكسب مزيد من الأصدقاء، ولكن بمساءلة الشخصيات والمؤسسات النافذة. وفي خاتمة المطاف، هناك ذلك الصوت المشاكس المستقل الذي يحافظ على دعم الرأي العام لأدوارنا بموجب التعديل الدستوري الأول.
ولكن هناك شيئاً ما يحدث. ولمحبي وسائل الإعلام الرئيسية، قد يبدو هذا مثل العصر الذهبي، مع الإنجازات الصحافية المحققة في كل يوم حول ترمب وأخطائه المزعومة. ولكن التملق الليبرالي يغلق حالة أوسع من انعدام الثقة، وهناك نسبة مثيرة للقلق من المواطنين الأميركيين تبلغ 72 في المائة يعتقدون أن المنظمات الإخبارية تميل إلى تفضيل أحد الجوانب في تغطية القضايا السياسية والاجتماعية، وفقاً لآخر استطلاعات الرأي التي أجراها مركز بيو للأبحاث. والديمقراطيون أكثر عرضة بنسبة 42 في المائة من الجمهوريين لدعم دور المساءلة الإعلامي.
كان روبرت كايسر، المحرر الإداري لصحيفة «واشنطن بوست»، يفضل القول إن «القراء يستحقون لقطة واحدة وواضحة على الحقائق»، حتى يتمكنوا من تحديد من هم الرجال الصالحون ومن هم الأشرار. ولكن عذراً أيها الزملاء، حتى في أفضل أيامنا، فإننا لا نفي دائماً بهذا الاختبار العسير.
كيف يمكننا زيادة ثقة الجمهور؟ أحد المناهج التي اعتمدتها المنظمات الإخبارية قبل عدة عقود، عندما كان لديهم مزيد من الأموال لإنفاقها وقليل من النقاد المستقلين، كان تعيين أمين للمظالم داخل المؤسسة أو محرر عام يمثل القراء والمشاهدين. وأغلب المنظمات الإخبارية الكبرى، بما في ذلك «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، قد تخلصت من أمين المظالم الداخلي خلال العقد الماضي. وكان هذا من الأخطاء الفادحة كما أعتقد.
يمكن لأمناء المظالم أن يسببوا أوجاعاً كبيرة. فهم كمثل المراسلين والمحررين المتشككين. وإنهم يدافعون عن الأفكار المنصفة التي يعتقد بعض الناس أنها قد عفّى عليها الزمن. وإنهم يقللون من قيمة التغطية الصحافية. (حتى أمين المظالم في صحيفة «واشنطن بوست» أقر بذلك...) ولكننا في أمس الحاجة إليهم من أي وقت مضى. إن النقاد يعتبرون أن وسائل الإعلام العملاقة صارت متغطرسة بشكل لم يسبق له مثيل، ولا تتسم بالانضباط كمثل النخب المغرورة التي لا تعبأ إلا بمصالحها الذاتية. ويستطيع أمين المظالم الجيد أن يغير من هذا التوازن، لصالح القراء والمشاهدين والإنصاف كذلك.
تفضل مارغريت سوليفان، المحررة العامة في «نيويورك تايمز» لمدة أربع سنوات والكاتبة الحالية في «واشنطن بوست»، عودة وظيفة «أمين المظالم الصحافية» إلى صحيفة «نيويورك تايمز». غير أنها تعارض حالة التوازن الفاتر (أو «التكافؤ الزائف» كما يسميه النقاد الليبراليون)، وهي تقول إن ذلك لا ينبغي أن يكون عذراً أو مبرراً للتغطيات الصحافية المغرضة أو المتحيزة. واستطردت تقول: «ليس هناك ما هو أهم فيما نفعله من الإنصاف. والإنصاف لا يعني الحلول الوسط أو اللعب على كل الحبال... والإنصاف لا يساوي أبداً التكافؤ الزائف».
ومن نماذج أمناء المظالم البارزة كان مايكل غيتلر في صحيفة «واشنطن بوست»، الذي شغل ذلك المنصب من عام 2000 حتى 2005. ولقد كتب تعليقات نقدية حول 20 مقالة في الصحيفة تتعلق بعدم تغطية فترة ما قبل حرب العراق بشكل مناسب. وكان السيد غيتلر أحد أكثر الصحافيين والمحررين خبرة في الجريدة، وكانت انتقاداته لاذعة وقاسية. وكان بمثابة لسان حال القراء الغاضبين الذين شعروا أن الصحيفة قد سمحت للبلاد بأن تسير وهي نائمة نحو الصراع الكارثي في منطقة الشرق الأوسط.
ورغم ذلك تعرض غيتلر للهجوم. وقالت مجلة «سليت» في عام 2001 إنه من مؤيدي وجهات نظر المدرسة القديمة بأن المصداقية الصحافية ترتفع كلما كتم الكاتب ما يعتقده بشأن قضية ما، وتسقط متى ما تخلى عن الرمزية الخالصة لـ«من، وماذا، لماذا، وأين، ومتى». ولقد أصبح هذا النقد المشين للصحافة التقليدية القائمة على الوقائع منتشراً بشكل يثير الدهشة على تيار اليسار.
ومن أشد النقاد الداخليين الذين عانوا من المشكلات الكثيرة كانت ليز سبيد، المحررة الإدارية السابقة في صحيفة «واشنطن بوست»، التي أصبحت المحررة العامة لدى «نيويورك تايمز» منذ العام الماضي. ولقد حذرت في مقال لها في سبتمبر (أيلول) الماضي من أن الصحافيين لا ينبغي أن يكونوا قلقين للغاية من تفادي النسخ الأحادية والثابتة من التوازن التي يميلون إليها.
ولقد تعرضت السيدة سبيد لانتقادات حادة خلال العام التالي بسبب هذا وغيره من الاتهامات بـ«الردة الصحافية» قبل أن تلغي صحيفة «نيويورك تايمز» منصبها في مايو (أيار) الماضي. ووصفت مجلة «نيويورك» مقالها حول التوازن الكاذب بأنه «الحطام المنطقي للقطار». ووصفته مجلة «بوليتيكو» في مقالة افتتاحية أخيرة بأنه «الخلاص الصالح».
إن السعي وراء الصحافة المنصفة قد دفع «نيويورك تايمز» إلى تجاوز تغطية مؤسسة كلينتون وجدالات قضية البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون، وهذا من المبالغات الشديدة من وجهة نظري. ولكن السيدة سبيد، داعية الإنصاف، قد هاجمت «نيويورك تايمز» بقوة لعدم كونها قوية بما فيه الكفاية في تغطية تحقيقات المباحث الفيدرالية لمسألة ترمب وروسيا قبل الانتخابات الرئاسية. ووصف المحرر التنفيذي دين باكيت ذلك المقال بأنه «مقال سيئ»، غير أنه بدا جيداً للغاية في وقت لاحق.
إن الجدالات التي دارت بشأن سوليفان، وغيتلر، وسبيد وغيرهم، هي جزء لا يتجزأ من العملية الصحية المؤلمة لمساءلة المراقبين الإعلاميين. لا بد من عودة أمين المظالم الصحافي على الفور!
*خدمة «واشنطن بوست»