تبدو إدارة الرئيس أوباما مثل العامل غير الماهر الذي يسعى لتركيب آلة معقدة. كلما ركب قطعة سقطت قطعة أخرى أكبر. هذا ما تفعله الإدارة فيما يخص إصلاح نظام التأمين الصحي الجديد. فشلت الإدارة في البداية في المواقع الإلكترونية البطيئة التي مثلت إحراجا كبيرا لها. ملايين الدولارات جرى إنفاقها على مواقع ضعيفة لا تحتمل أبسط الضغوطات. وعدت الإدارة بإصلاح هذه المواقع في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، ولكن من المشكوك فيه، كما تشير التقارير الإخبارية، أن يحدث هذا. ستجرى بعض الإصلاحات، ولكن المواقع ستعاني من مشاكل كبيرة.
لكن تبدو هذه المشاكل الإلكترونية التي شغلت الرأي العام خلال الأسابيع الماضية قديمة الآن وصغيرة. أتت بعدها مشاكل كبيرة أخرى ضاءلت من حجمها وأهميتها. أهم هذه المشاكل هي خسارة الملايين تأميناتهم الصحية بسبب هذا المشروع. وصلتهم رسائل تخبرهم بأن تأميناتهم ملغاة. ماذا عليهم أن يفعلوا الآن؟ هذا سؤال وجهوه للإدارة التي كانت السبب الأساسي في ذلك. الرئيس أوباما لم يدرك فعلا هذه المسألة الخطيرة في نظامه الصحي، وهو الذي وعد أكثر من مرة بالقول في سياق الترويج لبرنامجه: «إذا أردت أن تحتفظ بتأمينك الصحي ودكتورك الخاص يحق لك ذلك. نقطة على السطر». النقطة على السطر كانت مجرد نقطة وهمية فالسطر بات مفتوحا على مشاكل أخرى. «الإدارة لم تكذب ولكنها غير ذات كفاءة» هذا ما يقوله المعلقون غير المتحزبين. السبب واضح: كيف يمكن أن تقدم على نظام كبير معقد كالتأمين الصحي، وهي لم تدرك أكبر آثاره وأخطرها على الإطلاق. الرئيس أوباما محاط نفسه بالشخصيات التي تقول له «نعم. نعم، لا توجد هناك أي مشاكل» لكن النظام نفسه كان أكبر مشكلة. لهذا بدا الرئيس مصدوما، وظهر مناصروه وأعضاء جدد وقدماء في إدارته ليدافعوا عنه في وسائل الإعلام بغرض تغيير صورة الرئيس الذي لا يعرف عما يتحدث عنه.
لكن المشاكل لا تتوقف عن الانهيار. يقول أحد المعلقين الجمهوريين البارزين بأن نظام الصحي ينهار أمام أعيننا، وليس علينا إلا أن نسكت ونراقب. لهذا كان الكثير من كبار الجمهوريين غاضبين من قصة إغلاق الحكومة لأنها أضرت بالحزب الجمهوري، وألهت الرأي العام عن مشاهدة المسرحية الهزلية لانهيار «أوباما كير».
بعد تبريرات كثيرة ومحاولات حفظ ماء الوجه، ركع الرئيس أوباما - بعد ضغط من الديمقراطيين عليه - وقال لأول مرة في حوار تلفزيوني بأنه «آسف» للأشخاص المتضررين والذين ألغيت تأميناتهم الطبية. ولكن كلمة «آسف» التي كررها الرئيس في مؤتمره الصحافي الأخير لتخفيف الغضب وطي الصفحة، بهدف تحويل الأنظار لقضايا أخرى، لم تحقق غرضها. المشكلة الآن كيف يمكن التعامل مع هؤلاء الغاضبين. ضريبة هذا الغضب سياسيا باهظة الثمن على الحزب الديمقراطي الذي يعيش في ذعر كامل مما حدث. يقال: إن الديمقراطيين مصابون بهلع كامل. يشتكي الصحافيون هذه الأيام من تهرب الديمقراطيين من الظهور على شاشاتهم والكتابة بصحفهم بغرض الدفاع عن الإدارة المتورطة. القضية خاسرة ومحاولة الدفاع عنها هو إمعان في الخسارة والإذلال. ما يفعلونه أنهم يذهبون للبيت الأبيض ويقابلون الرئيس وينقلونه له رسالة واحدة وصريحة: «توقف فورا عن الحديث عن الإصلاحات لنظام التأمين الصحي لأن الوضع يزداد سوءا. يجب التصويت على قانون في الكونغرس يحمي المتضررين». هذا ما دعا له الرئيس السابق بيل كلينتون الذي يعرف أكثر من غيره حجم الضرر الذي أحدثه هذا المشروع في حظوظ الديمقراطيين في الانتخابات النصفية عام 2014 والانتخابات الرئاسية عام 2016.
قال الرئيس كلينتون في تصريحات صحافية بأن على أوباما أن يفي بوعوده السابقة ويعيد التأمينات المفقودة لأصحابها. المثير أن ديك تشيني نائب الرئيس الشهير، اتفق مع مقترح كلينتون. يقول بعض المعلقين، إذا تفق كلينتون وتشيني على شيء، وهما نادرا ما يفعلان، فهذا يعني أن الرئيس أوباما واقع في مأزق كبير. لكن لا يمكن عمليا إعادة التأمينات المفقودة أو إيقاف حملة الإلغاءات المستمرة. إصدار تشريعات من هذا النوع يعني فعليا نهاية أوباما كير لأنه يلغي هدفه الأساسي، وهو أن الأصحاء يدفعون أكثر حتى يتم تغطية المرضى. أي تحوير وتعديل في مبادئ التأمين الصحي وإجراء تعديلات من هنا وهناك سيعني القضاء عليه جوهريا.
لكن هذه ليست أيضا أكبر المشاكل، هناك ما هو أكبر. أرقام المشتركين التي كشف عنها مؤخرا مخجلة. توقعت الإدارة أن يشترك في الشهر الأول أكثر من 500 ألف شخص، ولكن الأرقام كشفت أن أعداد المشتركين منخفضة جدا ولم تتجاوز الـ50 ألفا في أعلى التقديرات. هؤلاء فقط المشتركون الذين لم يدفعوا لحد الآن، حيث سيبدأ الدفع في يناير (كانون الثاني) من العام المقبل، الأمر الذي يعني أن الأرقام ربما تنخفض بسبب مخاوف البعض - خصوصا الأصحاء والشباب - أن السعر مرتفع على تأمين لن يحتاجوه. لكن هدف إدارة الرئيس أوباما هو أن يصل عدد المشتركين في مارس (آذار) المقبل إلى سبعة ملايين مشترك! يبدو هذا الهدف في ظل الأوضاع الحالية هو أشبه بالمزحة. لكنها مزحة ثقيلة ستذكر الجميع لوقت طويل بفشل الإدارة في إنجاز أهم مشاريعها.
مع نظام الرعاية الصحية، قامت الإدارة الأميركية بإطلاق النار على قدميها!