خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

عزرا أبو غازي في خدمة الإسلام

كان المعتاد في عالم الإسلام أن يعفى أهل الكتاب من نصارى ويهود من المشاركة في الجهاد مقابل دفع الجزية. وفي العهد العثماني فرض عليهم تقديم إتاوة تجمع من أفرادها حسب غناهم. ثم يقدمها رئيس الطائفة للوالي. بيد أن الحكومة العثمانية غيرت رأيها بعد ثورة عام 1908. أخذت بمبدأ المساواة وعدم إعفاء أهل الكتاب من خدمة العَلَم. وعليه أصبح عليهم أن يخدموا في الجيش ولا يدفعوا جزية. أدى الجميع خدمتهم العسكرية وحاربوا وقتلوا.
كان منهم من عشقوا الخدمة العسكرية فدخلوا الكلية الحربية وتخرجوا وخاضوا المعارك ضد الدول الأوروبية المسيحية.
كان من هؤلاء الضباط اليهود الضابط سالم عزرا الذي اعتادوا على تسميته بعزرا أبو غازي. خدم في سائر الجبهات. ولكنه عندما انتهت الحرب وجد نفسه في إسطنبول لا يدري ماذا يفعل. ضابط يهودي من الشورجة ببغداد. ما الذي يمكنه أن يفعل في الجيش التركي الحديث؟ سمع بتأسيس الدولة العراقية وإقامة حكومة عربية في ظل ملك عربي من أهل مكة، فيصل بن الحسين، فكر في الأمر ملياً وعقد رأيه في العودة إلى وطنه ومسقط رأسه بغداد سوية مع بقية الضباط العراقيين الذين خدموا في الجيش العثماني. وهذا ما فعل.
ركب باخرة من إسطنبول للبصرة عبر قناة السويس. وكان مسافرا مع زوجته الحامل. ويظهر أن أمواج البحر قد قربت موعد الوضع فولدت ابنتها الأولى في البحر وسموها «بحرية». ولكن المقدم عزرا أبو غازي ركب وأسرته المركب ورحل على نهر دجلة إلى بغداد.
التحق بوزارة الدفاع وجرى تعيينه في قسم الميرة والتموين برتبة ملازم أول، الرتبة التي كان عليها في الجيش العثماني ثم ترقى في عمله حتى نال رتبة مقدم. ومن الطريف أنه اشترك في عدة معارك ضد المتمردين في الفرات. ارتقى في عمله حتى كان تحت سلطته ضابط صغير آخر برتبة ملازم. من كان؟ نعم عبد الكريم قاسم!
بيد أن وزارة الدفاع رأت حرجاً في إبقاء الضباط اليهود في الجيش بعد تقسيم فلسطين وإرسال الجيش العراقي لمحاربة إسرائيل. تفادى المسؤولون هذا الحرج بإحالة سالم عزرا أبو غازي للتقاعد. مرت سنوات وأصبح ذلك الضابط الصغير، عبد الكريم قاسم رئيساً للحكومة. «سيدي هذا واحد يظهر أنه يهودي يريد يقابلك» قال البواب له. وأجابه الزعيم الأوحد: اسمح له يدخل. ودخل وسأل رئيس الحكومة: «تتذكرني؟» قال له: كيف ما أتذكرك؟ كنت رئيسي. تريد أي خدمة مني؟
«نعم أعطني إجازة للسفر للبنان».
«كما تريد. وأنا أعرف ماذا ستفعل بهذه الإجازة».
وكانت أيام وفاتت.