حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

الحراك الثوري الفاشل

كل دعوات الحراك «الثوري» في الممالك العربية المستقرة تحمل في كينونتها بذور الفشل دون أن تحتاج إلى القبضة الأمنية لإفشالها، فإذا كانت دعوات التهييج والتحريض والفتنة ضد هذه الدول المستقرة قد فشلت مع اندلاع الثورات العربية قبل ست سنوات وفي أوج حماسة الجماهير العربية لها، ففشلها حتمي ومن باب أولى بعد انتكاسة كل الثورات العربية والدمار الهائل الذي أصاب دول الثورات مثل سوريا وليبيا اللتين دُمرت فيهما البنية التحتية وشُرد وقُتل فيهما مئات الألوف بل الملايين، وأما بقية دول الثورات، وإنْ سلمت من النتائج الكارثية التي حدثت في سوريا وليبيا، لكنها ظلت هزيلة اقتصاديا منهكة تنموياً، وارتفعت فيها نسب البطالة وأسعار السلع مقارنة بفترة ما قبل الثورات.
إن شعوب الممالك العربية أدركت بنفسها المآلات المأساوية التي تسببت بها الثورات والتحريض على الخروج على السلطات الحاكمة، وسمعت بآذانها فلول المشردين من تلك الشعوب المكلومة في مخيماتهم وقد فقدوا بيوتهم ووظائفهم وأموالهم وهم يتمنون لو لم تندلع الثورات في بلادهم، بل تمنوا أن يبقوا تحت سلطة ديكتاتورية باطشة ولا مواجهة عذابات القتل والتشريد والتهجير ومآسي الحروب والحرمان من أبسط وسائل الحياة الهنيئة.
ولهذا أصبحت الشعوب في الممالك العربية أكثر اقتناعاً بأن الثورات والانتفاضات وكل دعوات «الحراك» إنما هي دعوات مشبوهة مغرضة تريد أن تجهز على بقية الدول العربية التي سلمت من انتقال عدوى «الوباء الثوري» إليها، فاجتهد المهووسون بالثورات المولعون بإشعال الاحترابات الداخلية للدفع بالدول المستقرة إلى أجواء الفوضى تحت شعارات براقة خادعة مثل محاربة انتشار الفساد وتفشي البطالة، وهذه الشعارات في الحقيقة «قميص عثمان» صَدَقُونا بها وهم كاذبون، يرفعها من تدرك الشعوب أن غايتهم الكبرى ملوثة ونواياهم فيها دَخَن، وهذا بالضبط ما جعل الشعوب الواعية تضرب الصفح عنهم ولا تكترث بدعوات الحراك الفاشلة التي يطلقونها بين الفينة والأخرى.
ومما أسرع في كشف سوء خبيئة هؤلاء المحرضين وفساد طويتهم أنهم هم ذواتهم وعلى الرغم من قلة عددهم لم يستطيعوا الاتفاق على إدارة مكتب مؤامراتهم ودسائسهم فتنازعوا وفشلوا وذهبت ريحهم، ليحتكموا بعدها إلى القضاء الغربي ليفصل بينهم فيقسم المكتب وأدواته بينهم، هذا له الطاولة والكراسي وذاك له الطابعة والحاسب الآلي في مشهد مخزٍ ومخجل وليثبتوا للشعوب العربية أن فاقد الشيء لا يعطيه وأن من كان مكتب تحريضه من زجاج متهالك فلا يرمي الممالك الآمنة المستقرة بحجارته.
ما ذكرته آنفاً ليس فيه تهوين لانتشار الفساد ولا تقليل من خطر فشو المحسوبية والبطالة، ولا إغفال لضرورة إجراء إصلاحات مستمرة تأخذ في الاعتبار الشباب الذين يشكلون نسبة مهمة في معادلة الإصلاحات ومواكبة المتغيرات، كل هذا صحيح، ولكن الصحيح أيضاً أن عملية الإصلاحات تجري من «داخل البيت» ومن خلال القنوات المتاحة التي تأخذ في الحسبان غاية الإصلاح بهدوء وتؤدة دون تشهير ولا تحريض ولا فضائح، عملية الإصلاح التي تشيد بالمنجز وتسنده وتشجعه وتبني عليه، وتشير إلى مواقع الخلل والقصور وتحذر منه بأسلوب عاقل ولغة راشدة منزوعة من دسم الاستعراض والعنتريات.