محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

أقصر مسافة بين متحاورين

إذا كان الخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتين، فإن القصة هي كذلك أقصر مسافة بين متحاورين والأدلة كثيرة.
فالقصة التي يعتبرها البعض موروثاً شعبياً لتمضية الوقت، أو لتزيين الخطب، وأجواء المجالس الاجتماعية، قد أظهر ثلة من الباحثين أن وقعها على آذان من نحاول إقناعهم أكبر بكثير من الحديث الوعظي المباشر.
فحينما نصغى إلى قصة تروى بشكل جيد، فإننا ننغمس مع الراوي في عالم السرد القصصي، حيث تأخذنا شخوصها وأماكنها إلى أجواء رحبة تسهم في تغيير ردود فعلنا العاطفية وشيء من قناعاتنا حتى بعد ردح من الزمن. وهذا ليس كلامي بل هو ما أكدته دراسات عدة منها أبحاث كل من تيموثي بروك وميلاني غرين. ولكل قاعدة شواذ.
وهذا الأمر يتجلى حينما يمارس الراوي أثناء خطبته قصة جذبت انتباه المنصتين لأنها انطبقت عليها نظرية «transportation» في الحوار، وهي تلك اللحظات التي ينسى فيها المرء ذاته وهو يروي بانهماك شديد حكايته، فينعكس ذلك على سلوكه، الأمر الذي يعزز من قوة وقع هذه القصة.
لكن الصدمة الحقيقية في رأيي تكمن في أن المرء يفقد جل مصداقيته حينما يكتشف الناس لاحقاً أنه كان يمارس ضدهم مسرحية هزلية من الضحك على الذقون، استغلالاً لتلك الفطرة التي فطر الله الناس عليها. وينسى أو يتناسى أنه إذا كان لدى البعض ذاكرة القطط فإن عصر أرشفة كل شاردة وواردة لن يرحمه.
حينما يكون المرء صاحب مبدأ في أي منصب، فإنه لن يخشى في الله لومة لائم، لأن كل ما يقوله من سرد ينسجم مع قناعات راسخة لا تتغير بحسب أهواء «أرباب نعمته» إن جاز التعبير، لأنه أصلاً لن يقبل أن يوجهه أحد بغير ما يمليه عليه ضميره.
وهؤلاء الذين يجرون الناس لاختلاق القصص الكاذبة ينسون أن المناخ السائد حولهم سرعان ما سيتغير مثل حالة الطقس التي تتقلب ما تقلب الليل والنهار لتكشف زيف من كان يخدعنا طوال هذه السنوات بقصص كاذبة.