صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

هل تتسبب صواريخ جونغ أون بحرب كونية جديدة؟

يذهب البعض إلى أن هذا التصعيد المتواصل بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وبين الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، أي بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية، قد يفجر حرباً كورية جديدة كحرب بدايات خمسينات القرن الماضي التي كانت في حقيقة الأمر بين الكتلة الاشتراكية وما كان يسمى المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي وبين الكتلة الرأسمالية وما كان يسمى المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ومعها معظم إنْ ليس كل الدول الغربية الرئيسية.
وأكثر من هذا فإن هناك من لا يستبعد أن يؤدي تبادل هز القبضات بين رئيسين تجمع بينهما صفات فردية كثيرة هما دونالد ترمب وكيم جونغ أون إلى إطلاق شرارة حرب كونية جديدة وحيث أصبحت هناك وفي العقد الثاني من الألفية الثالثة دول «مارقة» كثيرة في طليعتها إيران التي ركبت، كما هو معروف، أمواج التطرف منذ عام 2003 بالتحالف مع الكثير من التنظيمات الإرهابية وبدأت تلعب وتتلاعب بأمن واستقرار ليس بعض الدول العربية وفقط وإنما بأمن واستقرار هذه المنطقة الشرق أوسطية التي هي منطقة مصالح استراتيجية للغرب كله وللعالم بأسره.
ولعل ما زاد الأمور تعقيداً في السنوات الأخيرة وما أوجد واقعاً كثير الشبه بالواقع الذي أدى إلى انطلاق شرارة الحرب العالمية الثانية من ألمانيا النازية، هو كل هذا الصراع المحتدم بين روسيا الاتحادية ومعها الصين بالطبع وبين الولايات المتحدة ومعها بعض الدول الغربية الرئيسية ليس في سوريا ودول عربية أخرى والشرق الأوسط، الذي يقف على كف عفريت وفقط، وإنما أيضاً وبشكل أكثر تفجراً في القرم وأوكرانيا وبعض دول البلطيق وعملياً في أوروبا الشرقية كلها، وهذا بالإضافة إلى كل هذه المشاكل الاقتصادية التي بقيت تستدعي فرض عقوبات أميركية على موسكو التي لم تعد تحتمل المزيد من هذه العقوبات التي يبدو أنها ستتزايد مع تزايد هذا التوتر بين أميركا وكوريا الشمالية.
لكن وفي كل الأحوال يجب الأخذ بعين الاعتبار أنه بعد الحرب العالمية الثانية وويلاتها ليس من السهل الذهاب لحرب كونية جديدة مهما حصل، والمعروف أن حرب فيتنام، التي تواصلت منذ منتصف خمسينات القرن الماضي وحتى منتصف سبعيناته والتي كانت، عملياً، حرباً أميركية - سوفياتية وحرباً بين الكتلة الشرقية (الاشتراكية) والكتلة الغربية (الرأسمالية)، لم تستدع حرباً لا كالحرب العالمية الأولى ولا كالحرب العالمية الثانية وهذا ينطبق على الحرب الكورية الشهيرة في بدايات خمسينات القرن الماضي وعلى كل الأزمات الطاحنة التي شهدها النصف الثاني من القرن الماضي كأزمة المجر الشهيرة في عام 1956 وكـ «ربيع براغ» في عام 1968 وكغزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان في عام 1979 وكالكثير من الأزمات الأخرى المتفجرة التي شهدتها أميركا اللاتينية وشهدتها القارة الأفريقية وشهدتها أيضاً الكثير من الدول الآسيوية.
إنه ليس سهلاً الحديث عن أن هذا التصعيد، الذي لجأ إليه الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون وتهديده بضرب جزيرة «غوام» الأميركية بالصواريخ «الباليستية»، سيأخذ العالم كله إلى حرب عالمية جديدة، خصوصاً أن أسلحة الدمار الشامل لم تعد بالتأثير ذاته الذي كانت عليه القنابل الذرية التي استخدمها الأميركيون ضد «ناغازاكي» و«هيروشيما» اليابانيتين وأن أي لجوء لهذه القوة الغاشمة التي باتت تمتلكها دولٌ كثيرة، من بينها حتى إسرائيل وباكستان، سيؤدي إلى فناء البشرية كلها مما يعني أنه حتى من يعاني من لوثة نفسية وعقلية لا يمكن أن يفكر في استخدام هذه الأسلحة التي غدت محرمة دولياً... وحتى على الصعيد الأخلاقي.
وهنا ورغم كل هذه «التحفظات» على احتمال اللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل كتتويج لكل هذا التراشق الكلامي بين دونالد ترمب وكيم جونغ أون وكل هذه التهديدات المتبادلة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، فإن دولة كاليابان قد أخذت هذه التهديدات على محمل الجد وبادرت وفوراً إلى نشر نظام دفاعي لمواجهة صواريخ بيونغ يانع الباليستية التي هدد الرئيس الكوري الشمالي في لحظة تضخم للذات زائد عن كل الحدود بإطلاقها على جزيرة «غوام» الأميركية في غرب المحيط الهادي وهذا هو ما فعلته على الأغلب دول أوروبية كثيرة تعتقد أنها ستكون مستهدفة وما فعلته واشنطن أيضاً التي هي الأكثر اهتماماً بكل هذا التصعيد اللاعقلاني بالتأكيد.
والمشكلة التي تجعل كثيرين ينظرون إلى كل هذا التصعيد المتلاحق بين واشنطن وبيونغ يانغ بكل جدية أنه صدر عن مسؤولين أميركيين كبار أنَّ الولايات المتحدة تحضر لضربة استباقية وأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب نفسه قد قال علناً وعلى رؤوس الأشهاد إن «الخيار العسكري ضد كوريا الشمالية جاهز للتنفيذ» وإن البريطانيين وفقاً لصحيفة «ديلي ميرور» بادروا إلى القيام بمهمات استطلاعية بـ«أمرٍ»!! أميركي فوق كوريا الشمالية لتحديد ومعرفة الأهداف المرشحة للضرب من قبل الأميركيين.
وكل هذا جعل الرئيس الصيني شي جينبينغ يدعو ترمب، وبأسلوب تهديدي مبطن، بأن عليه أن يتجنب التصريحات التي تؤجج التوتر مع كوريا الشمالية وذلك في حين أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان أكثر اطمئناناً وقال إنه لا يمكن فهم تلويح الدول التي تمتلك السلاح النووي باستخدامه وفي حين أن بعض الأميركيين قد قالوا في غمرة هذه التطورات كلها إن أي تحرك عسكري أميركي في غاية الاستحالة لأنه بالغ الخطورة، وإن الباحث في معهد ميدل بوري للدراسات الدولية جيفري لويس قد قال: «لم يعد متاحاً للولايات المتحدة إلاّ التفاوض مع بيونغ بيانغ لخفض النزاعات. ويجب ألا نحاول إزالة أسلحتهم النووية»!!.
ثم وفي خطوة اعتبرت تراجعية قال ترمب إنه بإمكان الصين القيام بمزيد من خطوات التهدئة وإن وزير دفاعه جيمس ماتيس قد قال إن «الحرب مأساة معروفة جيداً وهي لا تحتاج توصيفاً آخر سوى أنها ستكون كارثية»، والمستغرب هنا فعلاً هو أن روسيا والصين قد وافقتا على عقوبات جديدة ضد كوريا الشمالية يمكن أن تكلفها عائدات سنوية تبلغ مليار دولار وهذا مع العلم أن التبادل التجاري السنوي بين بيونغ يانغ وبكين يبلغ نحو تسعين في المائة من حجم التبادل التجاري الدولي لكوريا الشمالية.
وهكذا فإن ما يجب أن يقال، ورغم هذا الموقف المشار إليه آنفاً، هو أن هناك قناعة لدى عواصم غربية وشرقية كثيرة بأن بكين وموسكو وراء كل هذا التصعيد الاستعراضي الذي لجأ إليه كيم جونغ أون ضد ترمب وضد الولايات المتحدة، وأن الهدف هو إشغال الرئيس الأميركي بهذه الأزمة الجديدة لتشتيت جهده وإبعاده عن القضايا العالقة بين بلاده وبين هاتين الدولتين كالأزمة السورية وكمشكلة أوكرانيا وكمشاكل بعض دول أوروبا الشرقية وكالمشاكل الملتهبة ومعظمها مشاكل اقتصادية بين واشنطن وبكين.
والمعروف أن روسيا تُتهم بأنها هي من خلق مشكلة «داعش» ومشكلة الإرهاب بصورة عامة لإشغال الولايات المتحدة عن قضايا شرق أوسطية كثيرة في مقدمتها الأزمة السورية، وحقيقة أنَّ ما يعزز هذا الاتهام هو أن الدور الأميركي المفترض إزاء هذه الأزمة قد تراجع حتى حدود التلاشي في عهد إدارة باراك أوباما، وأن هذا التراجع ورغم بعض التعديلات الإيجابية الطفيفة لا يزال مستمراً حتى الآن حتى في عهد هذه الإدارة الجمهورية.
ويبقى أنه إذا استمر كيم جونغ أون بكل هذا التصعيد وإذا استهدف جزيرة «غوام» الأميركية فعلاً بأحد صواريخه «الباليستية» فإنه غير مستبعد أن يرد الأميركيون بالمثل مع أنه غير مستبعد بأن يكون الاحتمال البديل الأكثر ترجيحاً هو تحريك كوريا الجنوبية ضد كوريا الشمالية مما قد يؤدي إلى حربٍ كورية جديدة على غرار حرب بدايات خمسينات القرن الماضي التي كانت في حقيقة الأمر حرباً سوفياتية - أميركية وحرباً بين ما كان يسمى المعسكر الغربي وما كان يسمى المعسكر الشرقي لكنها مع ذلك لم ترتق إلى مستوى الحرب الكونية المدمرة.