التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي... اختبار متقدم لتشخيص أمراض القلب

خيار بديل أسرع وأكثر دقة

التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي... اختبار متقدم لتشخيص أمراض القلب
TT

التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي... اختبار متقدم لتشخيص أمراض القلب

التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي... اختبار متقدم لتشخيص أمراض القلب

إذا خالجك شعور بالضغط، أو عدم الراحة، في صدرك، لفترة وجيزة، عند ممارسة التمارين أو عند التعرض للتوتر، ربما يكون السبب المحتمل تدفق كميات غير كافية من الدم إلى القلب.

اختبار الإجهاد لتشخيص الذبحة الصدرية

وتُعرف هذه الحالة باسم الذبحة الصدرية المستقرة stable angina، مما يشير إلى أنك قد تكون عرضة لخطر الإصابة بنوبة قلبية heart attack.

ومن أجل تشخيص (أو استبعاد) وجود مخاطرة الإصابة بنوبة قلبية، كان الأطباء، فيما مضى، يبدأون باختبار إجهاد القلب stress test. ويراقب هذا الاختبار النشاط الكهربائي للقلب، ووظائف عضلاته، وأنماط تدفق الدم في أثناء تعرض القلب للإجهاد، إما من خلال التمارين أو الأدوية. إلا أن هذا الاختبار ينطوي على جانب سلبي: فهو لا يكشف إلا عن الحالات التي تحتوي على ضيق بالغ في الشرايين (عادةً ما تكون بنسبة انسداد تزيد عن 70 في المائة)، مما يؤدي إلى تقييد تدفق الدم، ويسبب ظهور أعراض ونتائج غير طبيعية في أثناء الاختبار.

في هذا الصدد، قال د. رون بلانكستين، اختصاصي أمراض القلب الوقائية وكبير الأطباء ومدير قسم التصوير المقطعي المحوسب للقلب في مستشفى «بريغهام آند ويمينز»: «نعلم الآن أن معظم النوبات القلبية لا تحدث بسبب هذه الانسدادات الشديدة، وإنما عندما تتمزق اللويحات الصغيرة غير المسدودة، وتكوّن جلطة تؤدي إلى نوبة قلبية».

اختبار بديل

وأشار إلى أن هناك اختباراً بديلاً، يُعرف باسم التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي coronary computed tomography angiography (CCTA)، يوفر صورة ثلاثية الأبعاد للقلب والأوعية الدموية. وتكشف الصورة عن اللويحات السادّة وغير السادّة لتدفق الدم على حد سواء. وتشير دلائل متزايدة إلى أن هذا الفحص قد يحسن من قدرة أطباء القلب على رصد أمراض القلب وعلاجها.

تاريخ فحوصات القلب المتقدمة

كيف يمكن للفحوصات القلبية المتقدمة أن توضح خطر الإصابة بالنوبة القلبية؟ أتاحت التطورات بمجال تكنولوجيا الأشعة السينية والحوسبة، إمكانية الحصول على صور أكثر دقة وتفصيلاً للجسم، بما في ذلك شرايين القلب. ففي عام 1999، جرى استخدام التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي للمرة الأولى، وتألف الناتج من أربع صور مقطعية فقط، تُعرف كل واحدة منها باسم «شريحة».

أما أجهزة التصوير الحديثة متعددة الكواشف multi-detector scanners، فتنتج أكثر من 64 شريحة، وبعضها - ويُعرف باسم أجهزة التصوير بالأشعة المحسوبة بالفوتونات photon-counting CT scanners – يعمل بسرعات أعلى ويوفر دقة أكبر.

واليوم، تساعد هذه الصور عالية الجودة، بدقة أكبر، في التنبؤ بمن قد يستفيد من الأدوية لرصد مرض الشريان التاجي في مراحله المبكرة ومنع تفاقمه، وبالتالي تقليل احتمالية الإصابة بالنوبة القلبية.

وفي عام 2018، أُجريت دراسة عرفت باسم «سكوت ـ هارت» SCOT-HEART، قارنت بين الرعاية التقليدية (التي تضمنت عادةً اختبار الإجهاد والأدوية الموصى بها)، وبين الرعاية التقليدية مضافاً إليها فحص التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي. وأظهرت النتائج المبكرة أن الأشخاص الذين خضعوا لفحص التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي، كانوا أكثر عرضة للخضوع لإجراءات إضافية في السنة الأولى بعد الفحص. ومع ذلك، تساوى عدد هذه الإجراءات بين المجموعتين، بعد خمس سنوات من بداية الدراسة.

ومع ذلك، كان الأشخاص في مجموعة التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي، أكثر احتمالاً لتناول أدوية وقائية، كما كانوا أقل عرضة للوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية أو الإصابة بنوبة قلبية بنسبة 41 في المائة.

وخلال عشر سنوات من تنفيذ الدراسة، كان 56 في المائة من أفراد مجموعة التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي، يتناولون أدوية (بما في ذلك الأسبرين والستاتينات)، لتقليل خطر الإصابة بنوبة قلبية، مقارنةً بـ49 في المائة في مجموعة الرعاية التقليدية.

والأهم من ذلك، أن معدل النوبات القلبية غير المميتة كان أقل بنسبة 28 في المائة في مجموعة التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي، مقارنة بمن خضعوا للفحوصات التقليدية. يذكر أن نتائج الدراسة نشرت في 25 يناير (كانون الثاني) 2025 في دورية «لانسيت».

في هذا الصدد، شرح د. رون بلانكستين، الأستاذ بكلية الطب بجامعة هارفارد: «إنها أول دراسة تُظهر أن نوع الفحص المستخدم لتقييم ألم الصدر، قد يكون له تأثير مباشر على النتائج الصحية للفرد».

التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي

ما التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي؟ يعتمد التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي على جهاز تصوير مقطعي خاص، لالتقاط صور متعددة وسريعة بالأشعة السينية، لبناء مشاهد ثلاثية الأبعاد للأوعية الدموية وهياكل القلب الأخرى.

قبل إجراء الفحص، تتلقى حقنة بصبغة تباين في الذراع أو اليد، تجعل الأوعية الدموية «تتوهج» في الصور. وقد يجري إعطاؤك أدوية تُبطئ معدل ضربات القلب، وتوسّع الأوعية الدموية. وفي أثناء الفحص، عليك الاستلقاء على طاولة تتحرك داخل فتحة دائرية في جهاز التصوير. ورغم أن التحضيرات قد تستغرق نحو ساعة، فإن الفحص نفسه لا يستغرق سوى ثوان معدودة.

وأوضح د. بلانكستين أن التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي، حمل تصنيف «من الفئة الأولى» ومستوى دليل «A» - وهو أعلى مستوى من التوصية - لاستخدامه كأداة أولية لتقييم الأشخاص، الذين يعانون من انزعاج في الصدر، أو الذين يزورون قسم الطوارئ بأعراض ألم في الصدر.

ويتضح أن أغلب حالات ألم الصدر في الطوارئ لا صلة لها بالقلب. وعليه، فإن فحص التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي، يمكن أن يفيد في استبعاد احتمال حدوث نوبة قلبية لدى الأشخاص المعرضين للخطر. ومع ذلك، يُستخدم هذا الفحص غالباً لتقييم الأشخاص المصابين بالذبحة الصدرية المستقرة.

جدير بالذكر أن أكثر أعراض الذبحة الصدرية المستقرة شيوعاً، الشعور بالضغط أو الضيق أو الانقباض في منتصف الصدر، الذي يزول خلال دقائق، في الغالب. وقد يشعر بعض الناس بعدم ارتياح يمتد إلى الكتف أو الذراع أو الرقبة أو الظهر أو أعلى البطن أو الفك، وقد يعانون من ضيق في التنفس (ما يعرف طبياً باسم ضيق النفس).

يوفر صورة ثلاثية الأبعاد للقلب والأوعية الدموية تكشف عن اللويحات السادّة لها

نصائح حول إجراء هذا الفحص

شرح د. بلانكستين أن: «هناك حماساً كبيراً نحو زيادة استخدام فحص التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي. ومع ذلك، فإن فائدته تعتمد بشكل كبير على جودة الصورة. وليس كل أجهزة التصوير متساوية في الأداء».

وهناك أشخاص لا يُنصح بخضوعهم لهذا الفحص، مثل من لديهم معدل ضربات قلب مرتفع للغاية لا يمكن خفضه بالأدوية، أو من لديهم مؤشر كتلة جسم مرتفع للغاية (40 أو أكثر). وكلتا الحالتين يمكن أن تؤثرا على جودة الصورة. كما يجب على الأشخاص الذين لديهم حساسية من مادة التباين (الصبغة) تجنب هذا الفحص.

وأضاف د. بلانكستين أن الأشخاص الذين جرى تشخيصهم بالفعل بمرض الشريان التاجي قد لا يستفيدون كثيراً من الفحص، لأن نتائجه قد لا تدخل تغييرات على خطة العلاج. ومع ذلك، ومع تطور التكنولوجيا، قد تساعد الفحوصات المتكررة في المستقبل، الأطباء على تقييم مدى فاعلية العلاجات، وتحديد ما إذا كانت هناك حاجة لتعديلها.

هل من تحسينات مستقبلية؟ تعتمد شركتان تعملان بمجال المعدات الطبية، هما «هارت فلو» و«كليرلي»، على الذكاء الاصطناعي في تحليل نتائج فحص التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي بدقة أكبر. نظرياً، فإن قياس كمية اللويحات بدقة - خاصة تلك غير السادّة - يمكن أن يساعد في تحسين تقدير خطر الإصابة بالنوبة القلبية.

إلا أن د. بلانكستين نبه إلى أننا لا نعرف بعد ما إذا كانت هذه المعلومات تُضيف فائدة حقيقية، مقارنةً بالتقييم البصري للصورة. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن تكنولوجيا التصوير المقطعي المحوسب للشريان التاجي الحالية، تساعد الأطباء في اتباع نهج أكثر تخصيصاً على صعيد الوقاية القلبية.

وأضاف: «بوجه عام، كلما زادت كمية اللويحات لدى الشخص، زادت احتمالية أن نقترح علاجات أكثر قوة».

* رسالة هارفارد للقلب، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

دواء مركَّب لعلاج المراهقين مرضى السكري

صحتك دواء مركَّب لعلاج المراهقين مرضى السكري

دواء مركَّب لعلاج المراهقين مرضى السكري

أسهم في الحفاظ على وظائف الكلى بحالة جيدة

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك احتمالات حدوث مضاعفات أثناء الحمل والولادة تزداد مع تقدم النساء في السن (جامعة أريزونا)

دراسة جديدة تحذّر من الحمل بعد 45 عاماً

حذّر باحثون من جامعة أوبسالا في السويد من أن الأطفال الذين يُولدون لأمهات تجاوزن سن الـ45 معرضون بشكل أكبر لمخاطر صحية عند الولادة مقارنة بأبناء الأمهات الأصغر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك أُطلق على فصيلة الدم الجديدة «غوادا سالب» (رويترز)

علماء يكتشفون فصيلة دم جديدة

أعلنت مؤسسة الدم الفرنسية (EFS) أن مجموعة من العلماء الفرنسيين اكتشفوا فصيلة دم جديدة «فائقة الندرة» لدى امرأة من جزيرة غوادلوب.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق ترتبط الكوابيس المتكررة بالشيخوخة المبكرة (أ.ب)

«الكوابيس» تجعل الإنسان يتقدم في العمر أسرع... ويموت مبكراً

أشار بحث جديد إلى أن الأشخاص الذين يعانون من كوابيس أسبوعية أكثر عرضة للموت المبكر بمقدار ثلاثة أمثال. وترتبط الكوابيس المتكررة بالشيخوخة المبكرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم هل يمكن لعلاج استبدال البلازما إطالة عمر الإنسان؟

هل يمكن لعلاج استبدال البلازما إطالة عمر الإنسان؟

عادة ما تحتاج السيارات إلى تغيير الزيت بانتظام، للحفاظ على سلاسة عمل المحرك. ويعتقد بعض المؤثرين في مجال مقاومة الشيخوخة، إلى جانب حفنة من العلماء،

موهانا رافيندراناث (نيويورك)

دواء مركَّب لعلاج المراهقين مرضى السكري

دواء مركَّب لعلاج المراهقين مرضى السكري
TT

دواء مركَّب لعلاج المراهقين مرضى السكري

دواء مركَّب لعلاج المراهقين مرضى السكري

كشفت دراسة حديثة نُشرت في منتصف شهر يونيو (حزيران) من العام الحالي في «مجلة الطب الطبيعي» (Nature Medicine)، عن احتمالية أن يساعد العلاج المدمج في حماية المراهقين مرضى السكري من النوع الأول T1D، من المضاعفات الخطيرة التي تحدث مع الوقت جراء مضاعفات المرض والعلاج الذي يستمر مع الطفل لبقية حياته.

ومن المعروف أن النوع الأول من مرض السكري يُعدّ نوعاً من أمراض المناعة الذاتية المزمنة التي تُسبب توقف إفراز الإنسولين من البنكرياس، ولذلك يعتمد العلاج بشكل أساسي على إعطاء الإنسولين للمصاب لبقية حياته، ما قد يؤدي إلى آثار جانبية مثل زيادة الوزن وأمراض الكلى المزمنة.

علاج مركب من دواءين

الدراسة التي قام بها فريق بحثي من جامعة تورنتو ومستشفى الأطفال المرضى (SickKids) في كندا، بقيادة الدكتور فريد محمود الطبيب في قسم الغدد الصماء بالمستشفى، أجرت تقييماً لعلاج مركب يجمع بين العلاج الرئيسي للمرض بالإنسولين، ودواء آخر تجريبي في الأطفال داباغليفلوزين (dapagliflozin). وأظهرت نتائج هذا العلاج المركب تحسناً ملحوظاً في التحكم بنسبة السكر في الدم، والحفاظ على وظائف الكلى بحالة جيدة، وانخفاضاً في زيادة الوزن في المراهقين المصابين بالمرض.

التركيز على حالات المراهقين

أوضح الباحثون أن الدراسة الحالية ركزت بشكل أساسي على المراهقين، لأن معظم الدراسات السابقة كانت تستهدف الأطفال أو البالغين. وعلى الرغم من أن الأبحاث السابقة أظهرت نتائج جيدة بالفعل، فإن الفريق البحثي أجرى التجربة السريرية لمعرفة لأي مدى يمكن للعلاج المدمج أن يناسب المراهقين.

فترة المراهقة في الأغلب لا تكون ممثلة بشكل كافٍ في التجارب السريرية، وربما يكون ذلك راجعاً لكثير من الأسباب؛ منها طبيعة المرحلة العمرية نفسها والتغيرات الهرمونية المستمرة التي تحدث فيها، بجانب التقلبات النفسية الحادة التي تؤثر بالضرورة على أعضاء الجسم الداخلية، بالإضافة إلى صعوبة التوصل إلى رأي موحد يتفق عليه الآباء والأبناء بخصوص التجارب السريرية نفسها، لأن المراهقين في معظم الأحيان موقفهم يكون عكس موقف الآباء، سواء في القبول أو الرفض.

جرعات علاجية فردية

وفي الدراسة الحالية، أجرى الباحثون التجارب على ما يقرب من مائة مراهق تراوح أعمارهم بين 12 و18 عاماً، وتم تصميم علاج مخصص لكل حالة يتم فيه وضع كثير من العوامل الفردية التي يمكن أن تؤثر في نجاح التجربة في الحسبان، من خلال فهم الاختلافات بين المرضى، بحيث يتناول الجميع بشكل أساسي الأدوية التي تتحكم في معدلات الغلوكوز في الدم (خليط الإنسولين وداباغليفلوزين)، ولكن بشكل يناسب كل مراهق.

وكانت حساسية الإنسولين من أهم العوامل التي تم وضعها في الحسبان من أجل الوصول إلى جرعة مناسبة لكل مراهق على حدة، وذلك لأن الخلل الذي يصيب خلايا البنكرياس يختلف من طفل إلى آخر، وعلى سبيل المثال هناك بعض الخلايا تحتفظ بجزء ضئيل من إنتاجها من الإنسولين، وبالتالي يحتاج المصاب إلى جرعة أقل للحفاظ على مستوى ثابت للغلوكوز في الدم. وهناك بعض الخلايا التي تصاب بالعطب تماماً، وبالتالي يحتاج المصاب إلى كمية أكبر للحفاظ على النسبة نفسها.

العوامل الجينية والاستجابة المناعية

شملت العوامل الأخرى الفارقة في العلاج العامل الجيني لكل مراهق، إذ تزيد حدة الإصابة أو تقل تبعاً للعوامل الجينية. وشملت أيضاً الاستجابة المناعية للعلاج والتمثيل الغذائي والعوامل النفسية والاجتماعية والبيئية المحيطة بكل مريض. وعلى سبيل المثال، فإن المراهقين الذين ينحدرون من بيئات اجتماعية مرتفعة، وبها نسبة تعليم عالية في الأغلب تتحسن حالتهم بشكل واضح، بسبب الانتظام في تناول العلاج والالتزام بالغذاء الصحي والمواظبة على النشاط البدني، مما يجعل صحتهم أفضل.