إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

من باريس إلى الصين

استمع إلى المقالة

عاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس سعيداً من الصين. طار إليها مع زوجته في زيارة رسمية تضمنت مباحثات سياسية واقتصادية لا بد أنها عالية الأهمية. لكن الرئيس الآتي من باريس استقطع من وقت الزيارة ساعات لحضور مباراة في كرة المنضدة يخوضها هناك الشقيقان الفرنسيان أليكسي وفليكس لوبران، وهما من أبطال اللعبة العالميين. تغلبا على منافسيهما اليابانيين والصينيين وانتزعا المركز الأول. أطلقت الصحافة عليهما لقب «الأخوان بالنظارات» لأنهما يستخدمان «العوينات» الطبية.

قد لا يلفت النظر شغف ماكرون بالكرة، وإنما مفردة «بونغست» المتداولة محلياً في وصف لاعب كرة المنضدة. وهي مشتقة من «بنغ بونغ» وتطلق على من يمارسها. مثلها مثل «آرتيست» و«منولوجست». وقد دخل الاشتقاق قاموس «لاروس» وبات شائعاً على ألسنة العامة من دون أن يعني ذلك أنه بات مقبولاً من أصنام الأكاديمية الفرنسية. تبقى لفظة مُستغربة.

يخبرنا المهتمون بتاريخ الكلام واللغات أن الإنسان اكتسب مفرداته من تقليد أصوات الطبيعة. الزقزقة والخرير والحفيف وقطع الأغصان. وليس غريباً أن يكون للفعل قَطَعَ أو قطّ أو قَطَمَ المنطوق ذاته في لغات أخرى. وبهذا فإن تسمية «بنغ بونغ» جاءت من تقليد صوت الكرة الصغيرة المتقاذفة بين مضربين خشبيين. «بنغ» لدفعها و«بونغ» لصدّها. لعبة تخبرنا الموسوعة أنها ظهرت في الشرق الأقصى منذ عام 1884. هذا عن الرئيس الفرنسي، فماذا عن زوجته؟ في حين يتفرج الضيف على البطلين «البونغستيين» تتفرغ بريجيت ماكرون لزيارة محمية صينية للحيوانات النادرة تقع في منطقة شينغدو. ذهبت إلى هناك للاطمئنان على يوان مينغ، وهو دب من نوع الباندا كانت الفرنسية الأولى عرابته عند ولادته في فرنسا.

ومن معلوماتي المتأخرة أن اسم الباندا بالعربية الدب الأبقع أو دب الخيزران. وأن صغير الباندا يُسمّى الدّيْسَم بلغتنا الجميلة.

رأى يوان مينغ النور عام 2017 في حديقة حيوان بلدة بوفال، إلى الجنوب الغربي من باريس. وهو ثمرة تلاقح بين ثنائي من الباندا مستعارين من الصين. انتهت الاستعارة وعادت الحيوانات إلى بلدها الأم. فمن عجائب تلك الدولة الآسيوية الشاسعة أنها ابتدعت فكرة إعارة دببها الجميلة النادرة، لفترات محددة، كوسيلة التقارب مع الدول الكبرى وإزالة التوترات العابرة. تلك هي ما اصطُلح عليه بدبلوماسية الباندا.

خلال وجود الباندا في بوفال، وبفضل الهدية الآتية من الصين، اجتذبت حديقة الحيوان الفرنسية مليوني زائر. وقفوا ساعات في الريح وتحت المطر للتشرّف بالتعرّف إلى الدببة البيض الناصعة ذوات الهالات السود حول العينين. كانت الحصيلة 113 مليون يورو عداً ونقداً في عام 2023. ومنذ ذلك الوقت ودمى الباندا تغرق دكاكين الهدايا في فرنسا، لا سيما في هذه الفترة من أعياد الميلاد. وقد وعدت الصين بإعارة دببة أخرى لفرنسا في السنتين المقبلتين. ليتنا نهدي نوقنا الجميلة وبعراننا إلى دول لا تعرف الإبل.