د. سعاد كريم
باحثة لبنانية
TT

لبنان... بلد السلام

استمع إلى المقالة

في الثلاثين من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، في زيارة تاريخية استقبل «لبنان الرسالة»، كما وصفها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، قداسة الحبر الأعظم الذي نذر الفقر، البابا ليو الرابع عشر.

منذ تولّي منصبه البابوي في مايو (أيار) 2025، وفي أول زيارة حبريّة رسمية خارج أوروبا، وجّه البابا وجهه شطر لبنان، بلد التنوّع الثقافي والروحي والتعدّدية الطائفية والتآخي والتلاقي والانفتاح والسلام، بلد على مفترق طرق يتخبّط بين أزمة وأخرى، سياسية واجتماعية واقتصادية ومالية... وأهمها تهديدية من قِبَل العدو الإسرائيلي.

إن هذه الزيارة أكثر من زيارة رعويّة، إذ تُعدّ لفتة بالغة الأهمية تجاه شعب صامد، رغم كل الصعاب التي يمرّ بها بلدنا، وتذكيراً بأن السلام ليس قيمة روحية فقط، بل هو أيضاً محفّز حقيقيّ للانتعاش الاقتصادي، وإعادة البناء الاجتماعي، وإعادة الثقة بين شعبه أولاً وثقة دول العالم به ثانياً. لذا، تكتسب هذه الزيارة بُعداً رمزياً واستراتيجياً حيث إن قدوم البابا إلى لبنان بمثابة دعوة قوية للسلام والاستقرار والمسؤولية الجماعية. ففي كلمته بالقصر الجمهوري في بعبدا، شدّد البابا على أن بإمكان لبنان، «بلد الأرز»، أن يطوّر مجتمعاً مدنياً نابضاً بالحياة قائلاً للبنانيين بما معناه «التزموا بالسلام والحفاظ على الحياة»، مشيداً بالذين يخدمون السلام بصمت... علينا ضمان ألا يشعر الشباب بأنهم مجبرون على مغادرة وطنهم، وذلك بصناعة السلام في بلدهم وتشكيل رسالة إنسانية إلى العالم.

كما تحمل هذه الزيارة بُعداً اقتصادياً مهماً إذ تساهم في إعادة تسليط الضوء على لبنان بوصفه وجهة آمنة ومنفتحة أمام المستثمرين وإقامة المشاريع الإنتاجية، وتعزيز ثقة المجتمع الدولي بقدرته على النهوض والاستقرار والازدهار. فهل ستكون زيارة البابا بارقة رجاء للبنان واقتصاده، البلد الذي شَهِدَ انهياراً نقدياً وهجرة شبابية مدفوعةً بعوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية؟

لزيارة البابا إلى لبنان تأثيرات إيجابية حالياً ومستقبلاً في نواحٍ مختلفة من أهمها التوقعات الاقتصادية التي يعوّل عليها القطاع السياحي والمرتبطة به. فمنذ اللحظة الأولى التي حطّت فيها الطائرة البابوية على أرض مطار رفيق الحريري الدولي وما قبلها، ظهرت زيادة تدريجية في أعداد الوافدين من زائرين وصحافيين لبنانيين وأجانب، الأمر الذي يعتبر تطوراً إيجابياً في حركة القطاع السياحي، ومن المتوقع أن تمتد هذه الزيادة إلى فترة أعياد الميلاد ورأس السنة، وتشكّل عاملاً إضافياً لتنشيط حركة السفر والإقامات. وأوضح رئيس المطار، إبراهيم أبو عليوة، أن نسبة الوافدين ارتفعت هذا العام بنسبة 186 في المائة.

وفي موازاة حركة المطار، أشار رئيس النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق، بيار الأشقر، إلى أن نسب التشغيل في القطاع الفندقي في بيروت سجّلت ارتفاعاً ما بين 60 و80 في المائة، أما في المناطق خارج العاصمة بيروت فتراوحت بين 35 و50 في المائة.

إن مبادرة البابا زيارة لبنان انعكست إيجاباً على الوضع الاقتصادي، في وقت لبنان فيه بأمسّ الحاجة إلى كل مبادرة تعيد الحياة إلى شرايينه، فالقطاع الاقتصادي يعاني من تباطُؤ بسبب التطوّرات الإقليمية والداخلية، أعطت هذه الزيارة بارقة أمل لفتح مجال جديد من التعاون والدعم وتشجيع الاستثمارات وتعزيز التنمية المستدامة التي هذا البلد بأمسّ الحاجة إليها.

وتوجّه البابا إلى الشباب في الصرح البطريركي، والمرضى في بيت راهبات دير الصليب، وإلى أهالي شهداء مرفأ بيروت، بكل خشوع ومحبة، مؤكداً الاهتمام بهم في قلبه وعقله.

نأمل أن تكون زيارة البابا إلى هذا البلد «الصغير بمساحته والكبير برسالته»، كما وصفه فخامة رئيس البلاد جوزيف عون، ميمونة وتأتي بالخير، ليعمّ السلام والوئام، وتعيد لبنان إلى الذاكرة والخريطة العالمية من جديد، ليستعيد «عصره الذهبي» و«سويسرا الشرق» مدعوماً بقطاع مصرفي ذي ثقة، ليرتفع ويرقى بقطاعاته الإنتاجية والزراعية والصناعية والاستثمارية، وينعم هذا البلد الذي ضاق ذرعاً بوضعه الراهن بازدهار ورخاء. فمتى سيكون ذلك؟!