د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

أمين المظالم

استمع إلى المقالة

يتعلم العالم مجدداً من السويديين، هذه المرة في كيفية حل نزاعاتهم خارج أسوار المحاكم. فقد اضطرت الهند إلى تسيير محاكم مستقلة في حافلات مكيفة للمرة الأولى عام 2007 لحل النزاعات في قراها النائية. وتحاول بلدان عدة حل نزاعاتها خارج قاعات المحكمة عبر لجان التحكيم. غير أن السويديين جاءوا بمنصب «أمين المظالم» (Ombudsman) كما تقول الأمم المتحدة في أدبياتها. وهو مصطلح سويدي يعني «ممثل الشعب». وقد «عُين أمين المظالم البرلماني السويدي في عام 1809 وكان بمثابة أذن للشعب. ومنذ ذلك الحين، ما فتئت وظيفة أمين المظالم تتخذ أشكالاً مختلفة عديدة وترمي إلى تحقيق أغراض مختلفة».

بعبارة أخرى هو شخص (أو مكتب) مستقل مهمته استقبال شكاوى الناس ضد الجهات الحكومية وكبريات الشركات والتحقق منها، ثم محاولة حلها، أو التوصية بتغيير ما ينبغي من سياسات أو قوانين.

استعانت أستراليا بأمين المظالم في قطاع البريد، فانهمرت الشكاوى عليه ونجح في فتح تحقيقات عدة انتهت بوضع حد للطرود المفقودة التي شكلت جل الشكاوى المقدمة. ونجحت شكاوى المسافرين جواً في تمهيد الطريق لقانون جديد في الطيران يكفل تقديم تعويضات مادية عن التأخيرات والإلغاءات، والتزام شركات الطيران بشرح أسباب التأخير والإلغاء.

البريطانيون والأميركيون استفادوا مجدداً من السويديين بعد تفعيل دور «الأومبودسمان» لتكون كلمته وسيلة ضغط على المؤسسات العامة والخاصة الكبرى لتعديل سلوكها وتحاشي وقوع الظلم أو سوء الإدارة.

ويستخدم أمين المظالم في القطاعات الصحية والقانونية والتأمينية والإعلامية وغيرها بفاعلية.

ولصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية السبق الأول في تاريخ الصحافة العربية عندما نشر رئيس تحريرها السابق طارق الحميّد بشجاعة زاوية صحافية ينتقد كاتبها بحرية ما يُكتب في صفحاتها، ويشيد بما يستحق الإشادة. ونظراً لاعتبارات الثقافة العربية فقد بقي اسم كاتب الزاوية في طي الكتمان لسنوات عدة، فكان أول كاتب د. أحمد الربعي، ثم وقع الاختيار عليّ لحمل أمانة كتابة زاوية «المراقب الصحافي».

هناك «أومبودسمان» أيضاً في الشركات الكبرى، يختلف عنا، حيث إن دوره «تحقيقي» مستمد من سلطة الاطلاع على المستندات واستدعاء الشهود. وله جهود «توفيقية»، حيث يلعب دور الوسيط في إقناع الخصوم وتسوية نزاعاتهم أكثر من ميله نحو العقاب. هي محاولة سريعة لحل المشكلة داخلياً.

ولذلك فإن دور أمين المظالم يقوم على «الاستقلالية». وربما منه راجت فكرة الحوكمة، وهي عمل مؤسسي أوسع نطاقاً. ولا تتبع عادة إدارات الحوكمة والالتزام مديرين عاديين، بل ترسل تقاريرها إلى رئيس المنظمة أو مجلس الإدارة، حفاظاً على الاستقلالية.

ولهذا لا يخشى «الأومبودسمان» فقدان منصبه عند انتقاد حكومة أو شركة لكونه معّيناً من جهة محايدة وبشروط يصعب معها عزله. صحيح أن قراراته ليست ملزمة في بعض المؤسسات، لكن توصياته لها هيبتها أمام الرأي العام، وغالباً ما يُلتزم بها خوفاً من إثارة «البلبلة».

وقد وجد الاتحاد الأوروبي في فكرة «الأومبودسمان» ضالته للتحقيق في الشكاوى ضد مؤسسات الاتحاد. الشكوى تكشف النقاب عن مكامن المشكلة.

«أمين المظالم» أشبه بالمحامي الذي لا يرتدي عباءة المحاماة.