أحمد محمود عجاج
TT

ترمب وإيران: الدبلوماسية... أم الحرب المشؤومة؟

استمع إلى المقالة

في آخر تغريدة له، أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه لن يقبل إلا بتفكيك برنامج إيران النووي، ورد المرشد الإيراني علي خامنئي: «لا أحد يفرض على إيران شروطاً». هذا التلاسن ليس جديداً، بل نسمعه منذ ولاية الرئيس بيل كلينتون، ثم الرئيس جورج بوش، وباراك أوباما، وترمب في فترته الرئاسية الأولى ثم الثانية.

وبمراجعة تاريخ التلاسن، يمكن استنتاج غياب أي رغبة عند إيران وأميركا لحسم هذا الملف عسكرياً؛ لذلك تغلبت مع أوباما الدبلوماسية على لغة الحرب، وقبلت إيران بوقف التخصيب بنسبة معينة، وتفتيش منشآتها، مقابل رفع العقوبات. لكن ترمب عدّ الاتفاق ناقصاً لكونه يُعفي إيران بعد عام 2030 من القيود، وأن بند «تاء» في الاتفاق لا يلزم إيران بشكل واضح بإخضاع معداتها ذات الاستخدام المزدوج للمراقبة، ولا بمتابعة الأبحاث النووية في مجالات ضيقة؛ لهذا خرج من الاتفاق مقتنعاً بأنه قادر على عقد اتفاق أفضل.

ثمة أمران يميزان ترمب: أولاً إيمانه بالصفقة وأن الآخر يريدها، وثانياً تبرمه من التفاصيل، وتقابلهما ميزتان عند خامنئي: إيمانه بصفقة تناسبه، وشغفه بالتفاصيل. لهذا يصر ترمب على التفاوض، ولا يمانع خامنئي ما دام أنه يؤخر المواجهة العسكرية التي يهدد بها ترمب، وبذلك تصبح الدبلوماسية خياراً يريده الطرفان؛ ولذلك رد مبعوث ترمب على المشككين بأنه مثل ترمب تاجر عقارات أمضى معظم حياته بالتفاوض.

وبالفعل تفاوض ترمب مع «حماس»، واعترف بالرئيس أحمد الشرع، وتوصل لاتفاق مع الحوثي؛ وهذا يؤكد أنه واقعي، وغير مؤدلج، ولا يهمه لون القطة، بيضاء أم سوداء، بل قدرتها على الاصطياد. كما لا يهمه موقف إسرائيل لأن الثابت تاريخياً أن كل الرؤساء الأميركيين منذ عام 1948 انتهجوا سياسة تقديم مصلحة أميركا على إسرائيل في المنطقة، ما عدا الموضوع الفلسطيني الذي عدّوه حكراً على إسرائيل، وهذا يفسر السماح لها بارتكاب فظائع في غزة ترقى للإبادة، بتوصيف محكمة العدل الدولية، وحمايتها في مجلس الأمن.

لكن في قضية إيران قال ترمب: «أبلغت نتنياهو ألا يشن حرباً على إيران، لأن الحل سيكون عبر التفاوض». وتدرك إيران بالمقابل أن ترمب يريد التوصل لاتفاق نووي أكثر صرامة من اتفاق أوباما، ولا تمانع شريطة أن تحتفظ بحقها في التخصيب، وألا يشمل الاتفاق أسلحتها الباليستية، وأذرعها في المنطقة. ولا يمانع ترمب لإدراكه أن أذرع إيران أصبحت في حكم الميت، وأن الحوثي محاصر، و«حماس» انتهت؛ فالتركيز جُله على التخصيب، وبعض القيود على الأموال الإيرانية المجمدة بألا تذهب، بعد رفع العقوبات، لميليشيات خارج حدود إيران لزعزعة دول الجوار. وهذا لم يعد مشكلة بعد انفتاح إيران على المملكة بواسطة صينية، ولقناعة دول المنطقة بأن أي حرب ستعرقل خطط التنمية الجارية، وكذلك لا مصلحة لإيران في استعداء تلك الدول في وقت تواجه فيه تحديات داخلية وخارجية.

هل يعني ذلك أننا على مشارف صفقة؟ نعم، إذا ما تنازل ترمب عن شرط تفكيك برنامج إيران، على غرار البرنامج الليبي، وفهمنا تصريحاته المتشددة على أنها من باب رفع السقف للحصول على الحد الأدنى. وبالفعل، فالتسريبات عن العرض الأميركي الأخير لم يعارض حق إيران في التخصيب بنسبة ضئيلة جداً، شرط ضوابط مشددة، وأن يتم التخصيب في جزيرة إيرانية بإشراف أميركي، وبمشاركة من دول المنطقة للاستفادة جميعاً من الطاقة النووية. هذا العرض وسطي ويوازن مصالح الجميع ويمكن البناء عليه. لكن إذا استغلت إيران ذلك لتمرير الوقت وسعياً لتعزيز العلاقات مع الصين وروسيا لتنال دعمهما، فإنها تخاطر باستفزاز الرئيس ترمب على مستويين: الشخصي بإظهاره زعيماً عاجزاً، وعلى المستوى الأمني بوقوفها مع أعداء أميركا الذين وصفهم مستشار الأمن القومي الكبير زبجنيو بريجنيسكي في نبوءة مستقبلية بأنهم سيشكلون تحالفاً ضد أميركا سماه «تحالف المتبرمين»، بهذا التكتيك لا يبق أمام ترمب إلا خيار واحد: الانسحاب من التفاوض، ومنع انضمام إيران لمحور المتبرمين، وذلك بالإيعاز لإسرائيل بالهجوم على برنامج إيران النووي وتدميره.

ترمب بخروجه من التفاوض سيبرر للأميركيين أنه فعل أقصى ما يمكنه من أجل السلام، وأن انسحابه من التفاوض سببه رفض إيران السلام، وعلى إيران من الآن فصاعداً أن تحل خلافها مع إسرائيل. وبالطبع ستساعد أميركا وأوروبا إسرائيل عسكرياً؛ لضمان تدمير البرنامج النووي، وهذا سيضع إيران في موقف صعب جداً، لأنها ستجد نفسها غير قادرة على مواجهة إسرائيل، بعد حربها الأخيرة معها، وظهور تخلفها التكنولوجي. وستدرك كذلك إذا ما قررت ضرب قواعد أميركية في منطقة الخليج أنها ارتكبت غلطة العمر الكبرى التي ارتكبها قادة اليابان، عندما هاجموا «قاعدة بيل هاربر» الأميركية في المحيط الهادئ أثناء الحرب العالمية الثانية، فكانت النتيجة تدميراً مرعباً لمدن يابانية، واستسلاماً، وكتابة الأميركان دستور اليابان المستقبلي.