رأى محمد أحمد خلف الله في بحثه «الصحوة الإسلامية في مصر» أنَّ شخصيات ثلاثاً لعبت الدور الفعّال في حياة جماعة الإخوان المسلمين، هم: حسن البنا، وعبد القادر عودة، وسيد قطب، مراعياً الترتيب الزمني للعبها هذا الدور في تاريخ الجماعة من إنشاء الأول لها.
قال عن الأول: «لعب دور المنشئ للجماعة – الباني للتنظيم الهيكلي، والمحدد لمضمون الدعوة وأهدافها ووسائلها، والمشرف العام على التوجيه والتنفيذ، وكل ما تطلبه الدعوة من عمل».
وقال عن الثاني: «لعب دور المفكر الذي يقوم بعملية التأصيل، حيث يرد كل فكرة تتبناها الجماعة إلى أصولها الدينية – مبيناً لها وشارحاً إياها في تفصيل. كما كان يقوم بعمليات التنظير التي تنتهي دائماً إلى أن ما جاء به الإسلام هو الأفضل، وهو الذي يقدم الخير للبشرية، ويسعد الناس. ويكفي أن يكون من صنع الله وليس من صنع البشر».
وقال عن الثالث: «لعب الدور المهم في حياة هذه الجماعة، وفي حياة الجماعات التي لا تزال تعمل في ميدان الصحوة. لقد أدخل من التعديلات والتغيرات على فكر الجماعة الأم ما دفع إلى الحوار الساخن والجدل العنيف، وانتهى الأمر إلى وجود تيارات فكرية استقطب كل واحد منها مجموعة من الإخوان. ثم أصبحت كل مجموعة جماعة دينية تدعو الناس إلى فكرها، وتعمل لحسابها الخاص».
ومع أن محمد أحمد خلف الله منح عبد القادر عودة الدور الثاني، ومنح سيد قطب الدور الثالث، في التنظير الديني الفكري لدعوة الإخوان المسلمين، فإن محمد الغزالي لم يراعِ هذا التسلسل الذي صنعه الباحث في بحثه، فبدأ تعقيبه بتقزيم دور سيد قطب، ثم قزم بعدها دور عبد القادر عودة. ربما أخلَّ بالترتيب بين هذين الاثنين؛ لأنه غاضب على سيد قطب أكثر من غضبه على عبد القادر عودة، وحانق جداً على إيلاء الباحث لسيد قطب الدور الأهم مقارنة بالدور الذي قام به حسن البنا، وقام به عبد القادر عودة في بناء فكر الجماعة، مع شطبه الخاطئ لدوره هو في بنائه. فلقد قال الباحث عن سيد قطب: «والإضافات التي أضافها سيد قطب هي اهتمامه البالغ بالقضية الاجتماعية، فكتب فيها ما جعل الناس ينسون كل ما قال به البنا، وما كتبه عبد القادر عودة في هذه القضية. فشرح في كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) الأبعاد المختلفة لهذه القضية، وجاءت أحاديثه عن القيم الإسلامية: العدالة، والمساواة، والحرية، أدق وأعمق كثيراً من أحاديث عبد القادر عودة عنها – حتى لكأنها من عالم آخر. كما أنه اهتم بالقواعد الأصولية التي يمكن للحاكم أن يتخذ منها الأساس الإسلامي للقوانين والقرارات التي يصدرها، من أجل تنظيم شؤون الحياة والمجتمع».
وأضيف إلى ما قاله خلف الله، أن كتاب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» بُعيد صدوره في عام 1949 – وكان سيد قطب ما يزال في بعثته العلمية التدريبية في أميركا – نسخ أهمية كتابَي الغزالي: «الإسلام والأوضاع الاقتصادية» و«الإسلام والمناهج الاشتراكية»، عند جماعة الإخوان المسلمين، مع أن سيد قطب في هذا الكتاب كان «إسلامياً» من خارج جماعة «الإخوان المسلمين». وكان الغزالي عام 1948 – كما أشرت في المقال السابق – يعتقد أن سيد قطب لن يؤثر سلباً على موقعه التنظيري الإخواني البارز إلا إن كان «إسلامياً» من داخل جماعة «الإخوان المسلمين». لكن هذا التقدير الذي وضعه الغزالي في الحسبان في ذلك العام لم يصح، فجماعة الإخوان المسلمين قررت تدريس كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام» في شعبها قبل أن ينضم إليها. ولإعجابه الغامر ولتأثره البالغ بهذا الكتاب، كان الشيخ تقي الدين النبهاني قد أمر بتدريسه في خلايا حزبه (حزب التحرير الإسلامي) من عام تأسيسه له في القدس عام 1952.
في تعقيبه دفع الغزالي – بتخبط – تقرير خلف الله في بحثه أن سيد قطب لعب الدور المهم في حياة جماعة الإخوان المسلمين، حين قال: «إن سيد قطب لم يلتقِ حسن البنا، ولم ينتسب إلى الإخوان طيلة حياته». فهل الدور المهم الذي لعبه سيد قطب في حياة هذه الجماعة قائم على رواية «أحاديث» عن مرشدها حسن البنا، فيكون شرط قبولها أنه «رآه وهو مؤمن به»؟! حسناً، إنه لم يزِلّ فيكمل قائلاً: وإن حسن البنا قُتل وهو غير راضٍ عنه!
أما الشق الثاني من دفعه الذي أنكر فيه أن يكون سيد قطب انتسب طيلة حياته إلى الإخوان المسلمين، فما لبث أن نقضه هو بنفسه حين أشار إلى أنه انتسب إلى الجماعة بعد قيام الثورة بعدة شهور على عهد حسن الهضيبي. ثم شهد له بأنه «ظاهرها بكل ما لديه من طاقة أدبية، وأخلص في مناصرتها سراً وعلناً، وقاسمها ما فُرض عليها من معاناة وتضحيات»؛ أي إنه شهد له بأنه «تأخون، وحسنت إخوانيته، ومات (أو أُعدم) على الإخوانية».
إن الغزالي، باطنياً أو لا شعورياً، كان يماهي بين دعوة حسن البنا السياسية والاجتماعية في حياته، وبين دعوة محمد بن عبد الله إلى الإسلام في مكة وفي المدينة، ويطبق على سيد قطب تعریف «الصحابي» عند المحدِّثين.
إن سيد قطب منذ أن عاد من أميركا إلى مصر في 23 أغسطس (آب) 1950، اقترب الإخوان منه، بسبب حفاوتهم بكتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام» منذ أن صدر في عام 1949. ومن مظاهر اقترابهم منه دعوته إلى إلقاء دروس ومحاضرات، وإلى كتابة مقالات في مطبوعاتهم كمجلتَي «الدعوة» و«المسلمون»، وإعادة طباعة كتابَيه «العدالة الاجتماعية في الإسلام» و«معركة الإسلام والرأسمالية» في دارهم؛ دار الإخوان للصحافة والطباعة عام 1952.
فسيد قطب لعب دوراً في فكر جماعة الإخوان المسلمين قبل أن ينضم إليهم. وبعد انضمامه إليهم في عام 1953، كبر هذا الدور وتضخم بمؤلفاته اللاحقة. وللحديث بقية.