بندر بن عبد الرحمن بن معمر
كاتب وباحث سعودي مهتم بالتاريخ، له مؤلفات مطبوعة ومقالات وبحوث منشورة. وهو أيضًا رجل أعمال وعضو مجلس إدارة عدد من الشركات، ومستشار لعدة جهات وهيئات.
TT

السعوديون قبل كأس العالم

استمع إلى المقالة

مع توحيد الملك عبد العزيز البلاد السعودية، وعمله في استكمال مشاريعه الكبرى من استتباب الأمن وتوطين البادية وصهر مجتمعات الأقاليم التي انضوت تحت حكمه صهراً وطنياً؛ لم يغفل ما يحتاجه الشباب، فالمتتبع لتاريخ الملك المؤسس يلحظ تشجيعه ودعمه للرياضات التي يمارسها الشباب وقتذاك، ولكن ماذا عن كرة القدم؟ فمع إعلان فوز المملكة العربية السعودية باستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034، برزت تساؤلات حول كرة القدم السعودية وتاريخها والموقف المتشدد منها في البدايات وكيف كان التعامل الرسمي معها؟

فإذا عدنا إلى تاريخ اللعبة عالمياً، نجد أنها عُرفت عند الصينيين القدماء وكذلك الرومان وغيرهم، وشهدت تطورات عبر العصور، لكنّ هناك شبه اتفاق على أن بداياتها بشكلها الحديث كانت في إنجلترا، وأن قوانينها الأولى وضعتها جامعة كمبريدج وتأسس أول اتحاد لها في 8 ديسمبر (كانون الأول) 1863، ليكون ذلك تاريخ ميلاد كرة القدم المعروفة اليوم، والتي انتشرت في دول العالم وتطورت قوانينها. وفي عام 1904 تأسس في باريس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وأقيمت أول بطولة لكأس العالم في أوروغواي عام 1930.

سعودياً هناك روايات عدة عن تاريخ دخول كرة القدم إلى المملكة العربية السعودية، لكن ما يهمنا هو الموقف الرسمي منها، بخاصة اهتمام الملك عبد العزيز بها ودعمه لها، ذلك الاهتمام والتشجيع واكبه صدور عدد من التنظيمات الخاصة بهذه الرياضة. بيد أن الملمح الأبرز هو حضور الملك المؤسس لأول مباراة بطولة تقام تحت رعايته، فضمن تفقده لمرافق شركة «أرامكو» رعى، - وفي سابقة - وفقاً لـ«تقرير الزيارة الملكية التفقدية الصادر عن الشركة»، عصر يوم 25 يناير (كانون الثاني) 1947: «مباراة على البطولة في كرة القدم بين أكبر فريقين في الرابطة المؤلفة من موظفي الشركة، وشهد جلالته المباراة حتى نهاية المنافسة، وقال عنها وزير المالية عبد الله السليمان إنها إذا لم تكن أول مباراة في كرة القدم يشهدها على الإطلاق، فإنها على الأقل كانت أول مباراة يحضرها ضيف شرف. وتابع جلالته المباراة باهتمام، وكان يضحك لبعض الهفوات التي يقع فيها اللاعبون، وكان واضحاً أنه يحب هذه الرياضة، وعقب المباراة قدم جلالته الكأس».

كان برنامج الملك قبل المباراة، قد تضمن استقبال نحو 250 سيدة وطفلاً يمثلون عائلات الموظفين الأميركيين والنساء العاملات في «أرامكو»، ويشير التقرير الذي ترجمته ونشرته دارة الملك عبد العزيز إلى: أن الملك كان دائم الابتسام وهو يصافح النساء والأطفال، واستمتع كثيراً بوجود الأطفال الأميركيين معه في المنصة، وزادت سعادته عندما نسي الأطفال كل قواعد السلوك وتدافعوا للحصول على الكعك. تلك الرؤية المنفتحة من الملك عبد العزيز سواء بحضوره المباراة رغم التحفظ المجتمعي تجاه الكرة، أو باستقباله للنساء رغم التشدد تجاه المرأة وقتذاك، على ماذا تدل؟

وعلى أي حال يظل إسهام «أرامكو» في تأسيس وتطور كرة القدم السعودية بحاجة إلى مزيد بحث وتوثيق. كما أن الباحث في التاريخ الرياضي السعودي يرى تضارباً في المعلومات والتواريخ، لكنني هنا رجحت ما أظنه الأقرب للدقة.

مؤسساتياً، وافق مجلس الشورى عام 1936 على إدخال الرياضة للمدارس. ونحو عام 1952 أو 1953 أُسند إلى وزارة الداخلية في عهد وزيرها الأمير عبد الله الفيصل (المهتم أصلاً بكرة القدم) الإشراف على الرياضة وأُسس أول قسم للتربية البدنية والكشافة، ويذكر المؤرخ محمد القدادي أن الملك المؤسس كان يطلق على الأمير عبد الله الفيصل (عبد الله كورة)، وكان الأمير يطرب لهذه المناداة من الملك ويرويها في مجالسه. استمر الاهتمام بكرة القدم في عهد الملك عبد العزيز وتشكل أول منتخب سعودي في شهر أبريل (نيسان) من عام 1953. مرت كرة القدم السعودية بتطورات سواء على مستوى الهياكل الرياضية فتأسس الاتحاد السعودي لكرة القدم على خلاف بين المؤرخين عام 1955 ونال عضوية «الفيفا» عام 1956، أما اللجنة الأولمبية السعودية فتأسست نحو عام 1954 باسم (اللجنة الاستشارية العليا)، وفي عام 1964 أصبحت اللجنة الأولمبية، وهو تاريخ التأسيس المعتمد من قبل اللجنة، ثم حصلت على عضوية اللجنة الدولية عام 1965. أما على مستوى المرجعيات الحكومية، فانتقل الإشراف على الرياضة من وزارة الداخلية إلى وزارة المعارف عام 1960، ثم إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 1962 حيث أسست إدارة باسم رعاية الشباب، وأشهر من تولاها الأمير خالد الفيصل، ثم استقلت باسم الرئاسة العامة لرعاية الشباب عام 1974، وعُيّن الأمير فيصل بن فهد رئيساً لها، وأود التأكيد على أنه في تاريخ الرياضة السعودية رواد ورموز على جميع المستويات يصعب حصرهم في مقال، ويستحقون أن توثق سيرهم؛ إذ لكل منهم بصمته ومساهمته، كما أن هناك جوانب عديدة تحتاج إلى توثيق دقيق.

وبالنسبة للأندية فصنفت ودمجت، وتطورت الأنظمة والمنافسات المحلية وحققت الأندية السعودية نجاحات وبطولات متعددة، وتطورت البنى التحتية من ملاعب ومقرات وصالات رياضية. أما المنتخبات فحققت إنجازات، إذ حصل المنتخب السعودي على كأس الخليج وكأس العرب وكأس آسيا مرات عدة وتأهل إلى كأس العالم 6 مرات. السؤال: هل توقع أحد من المشاركين في أول بطولة يتأهل فيها المنتخب السعودي إلى كأس العالم عام 1994 في الولايات المتحدة الأميركية، أن المملكة العربية السعودية ستفوز باستضافة كأس العالم بعد 30 عاماً من ذلك التاريخ؟