حكومة العمال البريطانية بزعامة كير ستارمر في منتصف «شهر العسل» - المائة يوم الأولى قبل إصدار الأحكام على أدائها - تواجه المتاعب. فبجانب تزايد النقد في الصحافة، هدد بعض نواب الحكومة بالتصويت مع المعارضة عند عودة مجلس العموم (غداً) بعد العطلة الصيفية، وذلك احتجاجاً على سياسات اقتصادية يراها اليساريون في مقاعد الحكومة قاسية على شرائح ضعيفة في المجتمع.
راتشيل ريفز، أول امرأة تحتل ثاني أقوى منصب في البلاد، كوزيرة المالية والاقتصاد، تنوي القضاء على أحد أهم إنجازات القدوة الذي كانت تعلق صورته في غرفتها وهي طالبة في جامعة أكسفورد؛ رئيس الوزراء الأسبق غوردون براون، عندما كان وزيراً للمالية (1997-2007). براون لا يزال يفتخر بأنه، بعد ستة أشهر كوزير للمالية في 1997، قدم للمتقاعدين منحة الوقود في الشتاء، وذلك بعد تزايد أعداد من يصابون بالمرض، وأحياناً الوفاة من المسنين، من البرد لعدم قدرتهم المادية على دفع فواتير الطاقة لتدفئة المساكن. منحة الوقود تصرفها وزارة العمل والمعاشات للمتقاعدين مرة واحدة في العام مع قدوم الشتاء، وتبلغ حالياً 300 جنيه لمن هم فوق الثمانين، و200 جنيه لمن دونها. حكومات المحافظين الأربع المتعاقبة لم تجرؤ على إنقاصها أو إلغائها، بل كانت أكثر سخاء. فحكومة ائتلاف المحافظين والديمقراطيين الأحرار بزعامة ديفيد كاميرون (2010-2015) ضمنت ما يعرف بالعلاوة المثلثة؛ أي زيادة المعاش السنوي بالنسبة الأعلى بين ثلاثة مقاييس: معدلات التضخم، ونسبة ارتفاع متوسط دخل الفرد، و2.5 في المائة.
ريفز قررت إلغاء منحة الوقود للمسنين، والاستثناء فقط من يتلقون إعانة الحاجة (نحو 75 جنيهاً في الأسبوع)، وهم حالياً أكثر من 800 ألف، دخلهم الأسبوعي 218 جنيهاً للفرد و332 لزوجين متقاعدين. وللمقارنة، فإن قدح القهوة ثمنه ثلاثة جنيهات ونصف الجنيه، وثمن بيضتين جنيه. ويبلغ عدد الذين لا دخل لهم غير المعاش مليوناً وربع المليون. بجانب أن أسعار وقود المنازل سترتفع في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، ومرة أخرى في يناير (كانون الثاني) القادم. والإجراءات البيروقراطية لفحص استمارات المتقاعدين وحساباتهم البنكية لتقدير المنحة، ستستغرق وقتاً طويلاً في حين يبدأ البريطانيون تدفئة المنازل في أقل من عشرة أسابيع.
وزيرة المالية تدعي أن سياستها ستوفر ملياراً وثلاثمائة مليون، ضمن عدة سياسات تقشف لسد 22 مليار جنيه عجزاً في الميزانية.
الحكومة منحت علاوات كبيرة للاتحادات المهنية (20 في المائة علاوة للأطباء لإنهاء إضرابهم) والعمالية (14.25 في المائة على ثلاث سنوات بأثر رجعي لعام 2022 لسائقي السكك الحديدية). الاتحادات العمالية من ممولي حزب العمال، مما يزيد من انتقادات الحكومة المتهمة بشن حرب على الشرائح الديموغرافية التي لا تصوت تقليدياً للعمال؛ فآخر الإحصاءات يشير إلى أن معظم البريطانيين دون سن الـ63 يصوت أغلبهم للعمال، وكبار السن للمحافظين. وفي بريطانيا 12 مليوناً و800 ألف فوق سن تلقي معاش الدولة (66 عاماً). ولأن الحد الأدنى من الإعفاء الضريبي 240 جنيهاً أسبوعياً؛ فإن 11 مليوناً منهم يدفعون ضرائب للخزانة، من دخل إضافي أو من استثمارات خاصة. هؤلاء بدورهم يدخلون ضمن قطاع آخر تستهدفهم الحكومة العمالية، بعد أن شيطنتهم وسائل الصحافة ذات الاتجاهات اليسارية، وهم أصحاب البيوت والمستثمرون في العقارات الإسكانية، ويبلغ عددهم مليونين و820 ألفاً، قرابة نصفهم من المتقاعدين، وأغلبهم (60 في المائة) يدفعون فوائد قرض العقار للبنوك. السياسة الاقتصادية للعمال تستهدفهم بإنهاء موازنة فوائد القروض وكثير من تكاليف الإصلاحات مقابل الدخل من إيجار العقار، بجانب إثقال كاهلهم بمصاريف أخرى للسياسات البيئية وغيرها؛ أي إنهم مستهدفون مرتين؛ كأصحاب عقارات وكأصحاب معاشات.
المنتقدون يتهمون ستارمر ووزيرة ماليته ريفز بأنهما يريدان سد عجز الميزانية من دون الظهور بأن الحكومة تزيد الضرائب كما وعدا أثناء الحملة الانتخابية.
حكومة ستارمر أيضاً تشن حرباً على سائقي السيارات والشاحنات بفرض إجراءات التضييق عليهم بحجة حماية البيئة وإنقاص التلوث، كتلك التي يطبقها عمدة لندن لتشمل بقية أنحاء البلاد. والهدف غير المعلن، في اتهامات جمعيات وأندية السيارات، هو جمع المخالفات من السائقين والتي تجاوزت المليار جنيه في 2023، ومن المتوقع أن تتضاعف مع السياسات الجديدة.
أغلبية ستارمر الساحقة أنسته أن أغلبية الناخبين لم يختاروه إعجاباً ببرنامجه أو قبولاً لهذه السياسات، بل لأنهم أرادوا التخلص من المحافظين. وسياساته ربما تجعل حكومته من أقصر الحكومات عمراً.