مأمون فندي
أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورجتاون سابقاً، ويعمل الآن مديراً لمعهد لندن للدراسات الاستراتيجية. كتب في صحف عديدة منها «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«فاينانشال تايمز» و«الغاردين» وبشكل منتظم في «كريستيان ساينس مونوتور»، و«الشرق الاوسط». له كتب عديدة بالإنجليزية والعربية آخرها كتاب «العمران والسياسية: نظرية في تفسير التخلف 2022».
TT

لماذا تأخر أوباما في دعم هاريس؟

استمع إلى المقالة

هل تباطؤ أوباما وزوجته في تأييد هاريس يعود إلى خلافات سياسية، أو أنه تأجيل من أجل مكاسب شخصية له ولزوجته ميشيل أوباما في إدارة كامالا هاريس إذا ما فازت على دونالد ترمب، أو أن تلكؤ أوباما جزء من استراتيجية ديمقراطية لفرملة قطار ترمب في كل محطة ممكنة؟

الطموح الشخصي للرئيس الأسبق باراك أوباما فيما يخص دوراً محتملاً لزوجته في إدارة هاريس هو أمر مشروع ويمكن أن يكون من أول ما يتبادر إلى ذهن المحلل السياسي العجول، لكن ظني أن تباطؤ أوباما جزء من استراتيجية ديمقراطية أوسع وأكبر.

محاولة اغتيال ترمب في بنسلفانيا قبل ثلاثة أيام من عقد مؤتمر الحزب الجمهوري في مدينة ميلووكي أحدثت هزة أرضية كبرى داخل أروقة الحزب الديمقراطي.

في العادة يحظى أي مرشح بقفزة في استطلاعات الرأي العام بعد مؤتمر الحزب، وهذا كان متوقعاً في حالة ترمب الذي بدأ يسير بخطى ثابتة نحو الرئاسة؛ خصوصاً بعد المناظرة الكارثية لبايدن الذي بدا وكأنه هولوغرام وليس منافساً جاداً، مما حدا بصحف كبرى مثل «النيويورك تايمز»، وعرابين ديمقراطيين مثل باراك أوباما وتشاك شومر، أن يطالبوه بالتخلي عن فكرة الترشح ضد ترمب وفتح المجال أمام مرشح أقوى لمواجهة «الشهيد» دونالد ترمب، الذي حظي بهذا اللقب بعد محاولة اغتياله.

«استشهاد» ترمب الرمزي أمام الكاميرات وتعاطف الأميركيين معه؛ خصوصاً لدى جماهير لم تحسم أمرها، إضافة إلى القفزة الناتجة عن مؤتمر الحزب، سيجعلان عملية اللحاق بترمب في استطلاعات الرأي العام أمراً شبه مستحيل، فمما لا شك فيه أنه لو بقي بايدن لما بعد قفزة مؤتمر الجمهوريين لمدة أطول لكان الفارق عشرين نقطة بين المرشحين.

إذن؛ ماذا تبقَّى للديمقراطيين في منافسة كادت تكون محسومة أمام ترمب؟

فكر الديمقراطيون في ثلاث مراحل، اثنتان منها تحققان التعادل بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري، والمرحلة الثالثة هي مرحلة تخطي حاجز التعادل لتحقيق الفوز.

المرحلة الأولى تتمثل في إزاحة ترمب وبسرعة عن الصفحة الأولى. وكان قرار بايدن بالتخلي عن كونه مرشح الحزب الديمقراطي بمثابة أول ضربة لإزاحة ترمب من الصفحة الأولى، وبالفعل حدث ذلك، وعلى الرغم من عقد مؤتمر الحزب الجمهوري الذي يعطي زخماً لأي مرشح، وجدنا أن اسم ترمب يختفي عن الصفحة الأولى وأصبح الحديث عن تنحي بايدن وقانونية ذلك ومن سيخلفه، وهل سيحظى بتأييد الحزب؟ كل هذه الأسئلة كانت مادة الصفحة الأولى في الصحف وفي أحاديث التوك شو.

عندما طرح بايدن اسم نائبته كامالا هاريس، معبراً عن تأييده لها، احتلت هاريس الصفحة الأولى، وحتى الآن تناقش الصحف والتوك شو: من سيكون نائبها؟ وهل ستختار حاكماً من الولايات المتأرجحة؛ مثل بنسلفانيا أو ويسكنسون أو ميشيغان أو حتى أوهايو وكنتاكي؟ وما زالت الأسماء المرشحة لمنصب نائب الرئيس على تذكرة الحزب الديمقراطي تشغل الرأي العام الأميركي.

المرحلة الثالثة، ما قبل مؤتمرٍ في استراتيجية الديمقراطيين، كانت لعب ورقة باراك وميشيل أوباما. فرغم أن هيلاري وبيل كلينتون أعلنا تأييدهما لهاريس سابقاً، بقي باراك وميشيل أوباما لم يقولا شيئاً حتى يوم كتابة هذا المقال. عنصر التشويق هذا منح هاريس شرعية أن الأمر ليس محسوماً، وأن تتويج بايدن لها ليس كافياً، وأن هناك عملية ديمقراطية حقيقية ونقاشاً حقيقياً يحدثان في أروقة الحزب الجمهوري. ولكن في نهاية الأمر قام باراك أوباما وزوجته بمكالمة هاريس والإعلان عن تأييدها، وهذا يعطي زخماً جديداً داخل الحزب وداخل المجموعات المستقلة التي أوصلت أوباما للبيت الأبيض. ويأتي هذا في الوقت الذي بدا فيه الفارق مجرد نقطة واحدة بين هاريس وترمب لصالح ترمب. بعد تأييد أوباما ستكون النقطة في صالح هاريس.

أما الجزء الثاني من المرحلة الثالثة فهو الهجوم الكاسح على كل من ترمب ونائبه فانس حتى الوصول إلى مؤتمر الحزب في شيكاغو في التاسع عشر من شهر أغسطس (آب).

وبعد زخم مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو تكون كامالا قد تجاوزت ترمب بما يقرب من عشر نقاط. فهل ستنجح استراتيجية الديمقراطيين، أو أن ثلاثة أسابيع قبل مؤتمر حزبهم في شيكاغو هي دهر بحسابات زمن السياسة في أميركا؟

حدسي أنها قد تنجح، ولكن الحدس ليس تحليلاً سياسياً بقدر ما هو أنف طباخ يشتم رائحة الطبخة بحكم الخبرة، لا بحاسبات المقادير.