تعرف الأدبيات العسكرية «فتيل» القنبلة، بأنَّه خيط يهدف إلى إبقاء فاصل زمني بين لحظة الاشتعال ودوي الانفجار في الأسلحة البدائية. وتطور الأمر في الأسلحة الحديثة، فصار هناك فتيل خاطف ينفجر في ثوانٍ معدودة مثل قاذفة الـ«آر بي جي»، وفتيل آخر ينفجر فوق سطح البحر، وآخر يدوي صداه بمجرد ملامسته سطحاً صلباً وهكذا.
أزماتنا تشبه التعامل مع القنابل، بعضها يشتعل بسرعة البرق، والآخر يمنحنا متسعاً من الوقت لاحتواء الموقف. المفارقة أن طلقة طائشة أو مقصودة قد تبدد صمت الأزمة. مثل الطلقة التي اخترقت أذن الرئيس الأميركي السابق ترمب، فتأجج الصراع مجدداً بين أنصاره وخصومهم. يساعد عنصر الوقت على حل بعض الأزمات في حين يعمق الوقت جراح مواجهات أخرى. ولذلك يخمد الإطفائيون النار قبل أن تلتهمنا جميعاً.
أحياناً، لا تهم المقاصد والنوايا بالضرورة ما دام أن المشكلة قائمة. ما قيمة نية طيبة تقف وراء تعبير جارح أطلق سيلاً من الكراهية. البعض يتذكر جيداً أصداء الأزمة والإساءة، وينسون ثواني الاعتذار.
من الأبجديات العسكرية في نزع فتيل القنابل الموقوتة جمع المعلومات حول طبيعة القنبلة (المشكلة) والبيئة المحيطة، ثم تأمين المنطقة لتجنب تمدد حجم الضرر. ولذلك يصعب أن ينزع أحد فتيلاً من دون فريق داعم يتواصل معه للخروج بأقل الأضرار.
والسؤال الجوهري، من ينزع فتيل أزماتنا؟ لا يمكن أن يكون نازع الفتيل هو الخصم والحكم. إذ تميل الأطراف المتنازعة إلى قبول المحايدين لإدارة الخلاف. ولذلك ليس من الحكمة «تخوين» المحايد. كمحكم تجاري نجحت مع زملائي في نزع فتيل أزمة تجارية؛ لأن طرفاً اقترح قبول خيار التحكيم عند نشوب مشكلة بدلاً من الدخول في دهاليز المحاكم.
ولا يمكن أن يحل أزمة من لا يتحلَّى بآذان صاغية، ففي ثنايا الكلمات رسائل مبطنة لا يدركها سوف منصت جيد. المقدرة على التعبير ونقل وجهة نظر واحدة لا يكفيان. ولذلك ينجح في مهمة احتواء الأزمات، الهادئ والدبلوماسي، والمفاوض البارع، وكل من لديه مهارات الذكاء العاطفي.
في مرحلة «حل» النزاعات العمالية يدخل قيادي جديد غير من أجَّج الشارع ليقود فترة التهدئة. كثير من بؤر التوتر تبقى ملتهبة؛ لأن أحداً لم يعد يقبل التفاوض مع من يُعتَقَد بأنه من أشعل فتيل المشكلة.
لكل أزمة فتيلٌ يمكن نزعه وبعض أزماتنا تتفاقم لأن أحداً لم يكبح جماح التوتر.