طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«بنات رزق»

استمع إلى المقالة

ماذا لو فكر الكاتب صلاح الجهيني والمخرج طارق العريان في تقديم وجه آخر لـ«ولاد رزق» وليس جزءاً رابعاً، كما يتم الإعداد الآن؛ إذ تنشأ عصابة موازية تحمل اسم «بنات رزق»، على طريقة «البارودي»، التي تعني رؤية ساخرة للحكاية الجادة، تلعب بطولته نجمات يؤدين شخصيات خارجات عن القانون من الحي الشعبي «عين الصيرة»؟

لو تتبعت الأدوار النسائية في الأجزاء الثلاثة، ستكتشف أنهن على هامش الحدث الرئيسي، ظهورهن فقط لاستكمال الصورة.

في العالم اشتهر نوع من المحاكاة الساخرة لأفلام الكاوبوي الأميركية «ويسترن»، أطلقوا عليه «كاوبوي اسباغيتي»؛ أفلام أقل تكلفة، في عمقها الحقيقي تنال من أسلوب وطريقة وهدف «ويسترن» الأميركي، قدمها في البداية عدد من المخرجين الإيطاليين، ومن هنا حملت صفة «اسباغيتي».

في الماضي كان من الممكن أن تجد في السينما المصرية هذا التوجه الذي يرى وجهاً آخر للحكاية.

في عام 1953 قدم مخرجنا الكبير صلاح أبو سيف، فيلمه الشهير «ريا وسكينة». الشريط كما تتذكرون، به العديد من جرائم قتل قامت بها أشهر سفاحتين في تاريخنا المعاصر، بمدينة الإسكندرية (ريا وشقيقتها سكينة)، كانتا تدفنان الجثث داخل البيت مع إشعال بخور نافذة الرائحة، حتى لا يدرك أحد انتشار العفن الذي يزداد حضوره كلما تم فتح المقبرة مجدداً لإلقاء ضحية جديدة.

نجمة إبراهيم وزوزو حمدي الحكيم لعبتا بطولة فيلم صلاح أبو سيف، وأيضاً شاركتا بطولة الفيلم الساخر للمخرج حمادة عبد الوهاب الذي يحمل عنوان «إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة».

هل من الممكن أن نرى مجدداً تلك المعالجة في السينما العربية وتحديداً المصرية؟ حاول المخرج داود عبد السيد في مطلع الألفية أن يقدم برؤية ساخرة فيلم «شباب امرأة» للمخرج صلاح أبو سيف الذي ينتهي بموت تحية كاريوكا تحت أقدام البغل؛ الرقابة رفضت الفكرة وتوقف المشروع.

بدايةً أذكر لكم عدداً كبيراً من نجمات السينما من الممكن لهن تحمل بطولة الفيلم الافتراضي «بنات رزق»: منى زكي وهند صبري وياسمين عبد العزيز ومنة شلبي ونيللي كريم وأمينة خليل وسلمى أبو ضيف وغيرهن. المشكلة الأساسية، أن الجمهور وبنسبة كبيرة صار يفضل نجومه الرجال، في حين يضن بثمن التذكرة لو كانت النجمة امرأة.

يطلقون تاريخياً على السينما المصرية لقب «ست ستات»؛ إذ الستات الست كن هن الرائدات اللاتي غامرن، وبعدها بدأ الرجال الاقتراب بحذر من هذا الفن الجديد.

أيضاً كانت النساء هن نجمات الشباك، بداية من ليلى مراد مروراً بفاتن حمامة وشادية وماجدة وسعاد حسني ونادية لطفي ونادية الجندي ونبيلة عبيد ونجلاء فتحي وميرفت أمين وغيرهن، كانت النجمات يسبقن النجوم على «الأفيشات» و«التترات»، وانقلب الأمر منذ عقد التسعينات، حتى إن الفنانة حنان ترك قبل الاعتزال قالت: «لسن وردة في عروة جاكتة النجوم»، كانت تقصد طبعاً حالة التهميش التي عانى منها جيلها.

ورغم ذلك فلا يمكن اعتبار أن تلك هي النهاية الحتمية، بين الحين والآخر نلمح نجمة تتصدر «الأفيش»، وتثبت جدارتها بالبطولة، وأتصور أن عودة المرأة للمقدمة السينمائية ليست بعيدة المنال، تحتاج فقط إلى كاتب يؤمن بالفكرة، ومخرج مغامر، ومنتج جريء، وجمهور مستعد أن يقطع التذكرة لـ«بنات رزق».