إميل أمين
كاتب مصري
TT

أوروبا... مشاهد مزعجة تطفو على السطح

استمع إلى المقالة

هل أوروبا المعاصرة، في طريقها لمغادرة «العصر الجميل الثاني»، والذي بدأ مع تفكك الاتحاد السوفياتي، قبل نحو ثلاثة عقود ونصف العقد خلت؟

عرفت أوروبا «العصر الجميل»، أو La Belle Époque في الفترة التي بدأت بعد نهاية الحرب الفرنسية - البروسية عام 1871، واستمرت حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914.

تميزت هذه الحقبة بالتفاؤل والتنوير والسلام الإقليمي، عطفاً على الازدهار الاقتصادي والتوسع الاستعماري، واعتبرت عصراً ذهبياً لأوروبا، على عكس أهوال أزمنة الحروب النابوليونية.

حديثاً، اعتبر الكثيرون أن أوروبا وبعد اتحادها الخلاق، دخلت مرحلة عصر جميل بصورة متكررة، غير أن ما يتجمع فوق سماوات القارة العريقة إنسانوياً وفكرياً، فلسفياً وإيمانياً، يكاد يقطع بأن ذلك الزمن من السلام والطمأنينة على عتبات التبخر، والعودة مرة جديدة إلى دائرة الهلاك، وهذه المرة من مخاوف القدر أنها دائرة نووية تبدد ولا تهدد فحسب.

العديد من المشاهد المزعجة تطفو على سطح أوروبا في هذه الآونة، نختار منها ثلاثة فحسب، للتدليل على احتمالية مغادرة أوروبا والأوروبيين السلام الذي كان قصدهم الأول بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

والبداية من ألمانيا، حيث نغمات العسكرة، تعلو فوق سيمفونيات السلم، لا سيما بعد الحديث عن تطوير خطط لإنشاء قوات احتياط كبيرة في الجيش الألماني، يصل عديدها إلى نحو ستين ألف جندي، ليضحوا جاهزين لتعزيز أو استبدال القوات العاملة في القتال.

فتحت ألمانيا، قاطرة أوروبا الاقتصادية خزائنها أمام العودة إلى التسليح، وحديث المائة مليار يورو التي تحدث عنها المستشار أولاف شولتس قائمة، وصفقات الطائرات الكبرى قادمة كما الحال مع اليوروفيتر، وربما في الغد نرى «إف - 35» الأميركية، لو وثق العم سام في ألمانيا بالمطلق، ولم يتخوف من «ردة نازية»، قابلة للتحقق عما قريب، لا سيما في ظل العزم على العودة إلى التجنيد الإلزامي، الذي رفعته عام 2011.

ما يقطع بأن أوروبا قد تكون بالفعل على عتبات مغادرة أزمنة الراحة والطمأنينة، تصريحات وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، عن حتمية الاستعداد للحرب الكبرى القائمة مع روسيا عبر أوكرانيا اليوم، ومع بقية دول أوروبا تالياً، وقد بدا الرجل متشائماً إلى أقصى حد، حين وضع موعداً لتحقق رؤيته، يتمثل في عام 2029، أي بعد خمس سنوات من الآن.

أهو حنين فطري للحرب مع الروس، أم أن ألمانيا سقطت في الفخ الأميركي، بعدما كانت قاب قوسين أو أدنى في زمن المستشارة أنجيلا ميركل، من بلورة واقع حي ومعاش للتعاون، ضمن منظومة أوراسية، تفتح أبواب الحياة بين الأطلسي غرباً، وجبال الأورال شرقاً؟

الجواب في حد ذاته في حاجة إلى عودة لاستجلاء حقيقة ما جرى عبر حرب أوكرانيا، والتي كانت مصيدة للأوربيين للمباعدة بينهم وبين الآسيويين، روسيين كانوا أم صينيين.

الحديث عن ألمانيا يطول، لا سيما في ظل الرسائل التي اعتبرها الروس مستفزة، وفيها خاطب شولتس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وجاءه الرد صاعقاً من جانب رجل المواجهة النووية، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، ديمتري ميدفيديف.

المشهد الثاني يظهر نهار الأحد الماضي، حين أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى العاصمة الفرنسية باريس للاحتفال بالذكرى الثمانين لإنزال قوات الحلفاء، أنه قد توصل إلى اتفاق مع الرئيس الفرنسي ماكرون، لاستخدام أرباح الأصول الروسية المجمدة لمساعدة أوكرانيا.

والمعروف أنه بعد بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، قام الاتحاد الأوروبي، ومجموعة السبع بتجميد ما يقرب من نصف احتياطات النقد الأجنبي الروسية، والتي تبلغ نحو 300 مليار يورو، يوجد أكثر من 200 مليار يورو منها داخل الاتحاد الأوروبي.

أي تضييق ومحاولة لخنق الشعب الروسي تجري، وكأن فرنسا بين يوم وليلة أضحت العدو الأوروبي الأكبر لروسيا، مع أن عداءها التاريخي ظل لعقود وربما لقرون مع ألمانيا، في حين أن تضحيات الروس في الحرب العالمية الثانية، هي من أوائل من دقوا مسامير في نعش النازية.

لن يعدم الروس طريقاً للرد، فلديهم استثمارات غربية تبلغ نحو 288 مليار دولار حتى عام 2022، قابلة للتجميد؛ ما يعقّد المشهدين السياسي والعسكري بأسوأ صورة، ويحمل الجانبين على الاندفاع في طريق القارعة.

المشهد الثالث والأخير، يحتاج إلى حديث مطول بعد انتصارات اليمين المتطرف في انتخابات الاتحاد الأوروبي، وأزمنة الشوفينية الأوروبية المنتظرة.