نادراً ما يدعو رئيس حكومة بريطانية إلى الانتخابات العامة، وحزبه تتراجع شعبيته إلى نصف شعبية المعارضة في استطلاعات الرأي؛ فما الذي دفع ريشي سوناك إلى إعلانه موعد الانتخابات في الرابع من يوليو (تموز)؟
المألوف الانتظار حتى نهاية الفترة البرلمانية الدستورية (مطلع العام المقبل) لإجراء الانتخابات إذا سنحت فرصة تزيد من شعبية الحكومة كتحسن الاقتصاد أو إنقاص سعر الفائدة أو تلبية مطلب شعبي كالحد من الهجرة، أو تحسين خدمة الصحة العمومية.
أدرك سوناك أن العوامل التي تقلل من شعبية حكومته ستزداد سوءاً ولن تتحسن، ويذكر كيف دعت تريزا ماي (رئيسة حكومة 2016 - 2019) إلى الانتخابات في 2017 وهي متقدمة عن العمال في الاستطلاعات بفارق هائل، وانتهت الحملة الانتخابية بخسارتها 13 مقعداً برلمانياً، ويأمل أن تنعكس الآية هذه المرة. بجانب أن زعيم المعارضة العمالية السير كير ستارمر ليس لديه حتى الآن خطة سياسية أو اقتصادية محددة ومفصلة لعرضها على الشعب. كما يأمل سوناك أن تجهض مفاجأته استراتيجية حزب الإصلاح اليميني الجديد الذي يستقطب أصوات المحافظين (شعبيته تضاعفت في بضعة أشهر) قبل أن يستكمل الإمكانات البشرية لدعم 650 مرشحاً في كل الدوائر. أيضاً أراد الإسراع بالانتخابات قبل مؤتمر حزب العمال العام (بعد أربعة أشهر) الذي لا يزيد من شعبية الحزب فحسب، بل يملأ أيضاً خزانته بالتبرعات فيكون لديه رصيد مالي كبير لدعم حملته الانتخابية والمرشحين يخوض به الانتخابات لو تأجلت للخريف.
والأهم هو قلق سوناك من الصيف وتحسن الجو؛ إذ تزداد أعداد قوارب المهاجرين غير الشرعيين في هذا الموسم، والحد من قوارب المهاجرين ليس مطلباً شعبياً فحسب، بل أصبحت القضية الرئيسية باختيار سوناك نفسه الذي خاض المعارك البرلمانية والقانونية لتطبيق سياسة ترحيل الوافدين بالقوارب إلى رواندا والتعامل مع مطالبهم باللجوء على أرض البلد الأفريقي، لكون سياسة رادعة تثني الآلاف القادمين عن عزمهم بالمخاطرة بين الأمواج. ولأن البرلمان أصدر قانون الترحيل إلى رواندا بالفعل، فقد يحالف الحظ سوناك ويمكن ترحيل ولو بضعة نفر وتصبح رحلة الطيران الأولى إلى أفريقيا مانشيت وصورة تستبدل صورة سوناك للموسم في زمن تلعب فيه الصورة دوراً متعاظماً عبر الوسائل الصحافية المختلفة بما فيها التواصل الاجتماعي.
فعند إعلانه إجراء الانتخابات في يوم ممطر أمام باب رقم «10 داوننغ ستريت»، بلا مظلة المطر التي لا تفارق يد الواعي بطقس البلاد، حاول سوناك الظهور «كرجل كل الأجواء»، لكن جانبه التوفيق؛ إذ بدا كرجل يغرق أمام عدسات العالم. وأدار ظهره عائداً لمكتبه وبذلته الأنيقة الغالية الثمن تتصبب مطراً، مفجراً شلالاً من التعليقات الساخرة في مانشيتات الصحف من الأمثلة الشعبية الساخرة التي تجمع بين البلل والغرق، وما يقابله بالمثل العربي الشعبي «ورينا عرض كتافك». وما زاد الطين بلة لسوناك، وعمق مفهوم الغرق أنه حتى أول من أمس بلغ عدد نواب المحافظين الذين أعلنوا عدم خوضهم الانتخابات 78 بينهم بعض كبار الوزراء، مما أثار تشبيه الصحافيين لحزبه بالسفينة الغارقة وملاحوها يسرعون إلى قوارب النجاة تاركين الربان المبتل وحده. وبجانب مشكلة الحزب في إيجاد مرشحين يحلون محلهم في غضون أيام قليلة فإن عدد الساعين للنجاة فاق عدد المعتزلين في حكومة جون ميجور في انتخابات 1997 التي انتهت بهزيمة ساحقة للمحافظين.
ما سيبقى في ذاكرة الناخب، هو صورة كل من الزعيمين المتنافسين في عصر الأجهزة الإلكترونية المحمولة. صورة سوناك يغرق مقارنة بستارمر الذي بدا «كرئيس حكومة». الأخير دعا الكاميرات والصحافيين إلى مقر حزب العمال ليعلن ترحيبه بإجراء الانتخابات أمام خلفية صورة طبق الأصل من مقر المؤتمرات الصحافية في «داوننغ ستريت»، وعلم البلاد على يمينه ويساره. ورغم أن ستارمر في مقابلاته الصحافية والإذاعية كان متردداً، غير حاسم، وليس له سياسة واضحة، وشعبيته الشخصية مثل سوناك منخفضة فإنه أقل قلقاً. ستارمر في مقابلاته وخطبه في الشوارع يكرر شعار حزبه للانتخابات، وهو «التغيير»، لأنه يبدو أن الأمة البريطانية «غيرت رأيها» الجماعي بمعنى كفى 14 عاماً من المحافظين؛ ولذا فالبديل التقليدي يكون العمال. وبجانب أن الأمطار التي أغرقت إعلان سوناك الانتخابات، كانت فألاً سيئاً للمحافظين، فإن النجوم على ما يبدو لا تصطف بطالع حسن لهم؛ فآخر مرة دعي رئيس وزراء إلى الانتخابات العامة في شهر يوليو كان ونستون تشرشل (1874 - 1965) في نهاية الحرب في 1945 وخسرها المحافظون للعمال بزعامة كليمنت آتلي (1883 - 1967) بفارق 146 مقعداً برلمانياً.