في فبراير الماضي، اشتعلت موجة من المناقشات حول ما إذا كان تقدم جو بايدن في العمر وضعفه الظاهري، مقارنة بدونالد ترمب، يحتّمان عليه الانسحاب من الانتخابات، أم لا. وسبق أن كتبت مقالاً حول هذا الموضوع، لكن الأصوات الأشهر (أي غير المحافظة) التي تجادل بأنَّ بايدن يجب أن يفكر في الانسحاب من السباق، تضمنت الخبير المعني بقضايا الانتخابات نيت سيلفر، وزميلي عزرا كلاين. كان تقرير المستشار الخاص روبرت هور، الذي أشار إلى وجود مشكلات في الذاكرة لدى الرئيس، جزءاً من المناقشة كذلك، أو - إذا كنت تفضل المصطلحات التي يفضلها حلفاء الرئيس ـ جزءاً من حالة الذعر غير المبرر. وخرج واحد من العناوين الصحافية ليعلن أنَّ «قرع الطبول المطالبة بتنحي بايدن لا يزداد إلا ارتفاعاً»، وكتبه روبرت كوتنر في مجلة «أميركان بروسبكت». حسناً، كان كوتنر مخطئاً، فقد هدأت أصوات الطبول. وكل ما تطلبه الأمر أن يلقي بايدن خطاباً مقبولاً عن حالة الاتحاد، وبعد ذلك تحسنت أرقام استطلاعات الرأي بشكل طفيف، واستولى المتفائلون في الجانب الديمقراطي على الخطاب العام، وتلاشى في الخلفية الحديث عن ضرورة تنحي بايدن. ومع ذلك، لا تزال الأسباب الأساسية التي ألهمت النقاش حول تنحي بايدن قائمة. أما موجة صعود بايدن من جديد فاتضح أنَّها محدودة للغاية، فهو لا يزال متأخراً بعض الشيء في استطلاعات الرأي الوطنية، ولا يزال متخلفاً عن ترمب داخل الولايات الحاسمة، التي كان لها الفضل وراء فوز الديمقراطيين داخل المجمع الانتخابي آخر مرة - جورجيا وميشيغان وأريزونا ونيفادا وبنسلفانيا وويسكونسن. وعلى صعيد استطلاعات الرأي، تبدو الفجوة بين بايدن وترمب ضيقة، وكل ما يتعيَّن على بايدن إنجازه التقدم بضع نقاط فقط ـ 3 نقاط، أو ربما 4. جدير بالذكر أنه منذ الخريف الماضي، يتأرجح كلا المرشحين ضمن نطاق ضيق للغاية، ما يعكس حالة من الاتساق. أما الرد الديمقراطي على هذا الاتساق، فيمزج بين الثقة غير المبررة والقدرية غير المبررة كذلك. من ناحية، هناك اعتقاد بأن تقدم ترمب غير مستدام، علاوة على أن استطلاعات الرأي لا تحمل أهمية حتى انعقاد المجمع، وأن الناخبين لم يعيروا الانتخابات كامل اهتمامهم بعد، ومحاكمات ترمب لم تترك تأثيرها بعد؛ لكن ماذا لو تمت تبرئته؟
من ناحية أخرى، نقابل سؤال «ماذا بوسعنا أن نفعل؟»، الذي يعكس الانزعاج من أي شخص يقترح أن بايدن يجب أن يغير أسلوب تعاطيه التي مع السياسة والسياسة الذي انتهجه حتى الآن. ويقابلك كثير من الردود من عينة «لقد قام بعمل رائع!»، و«الجمهور جاحد أو مرتبك، مضلل من قبل وسائل الإعلام»، أو «تعمي بصيرته الانتماءات الحزبية!»، وأن بايدن «يجب أن يرتفع بمقدار 10 نقاط!»، وأنه «إذا لم يتمكن من الفوز بهذا الرقم القياسي، فإن أميركا تستحق ما ستناله!».
والآن، إليكم وجهة نظر بديلة لوضع بايدن. في الواقع، أحد الدروس المستفادة من سنوات رئاسة ترمب، أنه إذا كنت تتفوق باستمرار على ترمب في استطلاعات الرأي، فيجب عليك أن تكون حذراً بخصوص حالتك المزاجية، وأن تركز على العناصر الأساسية لحملتك وجهودك الرامية إلى جذب الناخبين، وإبراز أنك شخص طبيعي تماماً كلما سنحت لك الفرصة لذلك. وكان هذا تحديداً ما فعله الديمقراطيون ببراعة عامي 2018 و2020 - عندما حققوا انتصاراتهم في مواجهة ترمب. من ناحية أخرى، إذا كنت تخسر أمام ترمب (مثلما كانت الحال مع منافسيه الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية لعامي 2016 و2020)، فلا يمكنك الاعتماد على الإطلاق على أن ثمة تحولاً بمسار الأحداث أو أن إجهاداً سيصيب ترمب من العدم بطريقة سحرية لإنقاذك.
* خدمة «نيويورك تايمز»