د. خالد منزلاوي
الأمين العام المساعد للشؤون السياسية الدولية بجامعة الدول العربية
TT

القمة العربية في المنامة وآفاقها

استمع إلى المقالة

يأتي انعقاد قمة المنامة العربية في ظلال مناخ دولي تغلب عليه أجواء عدم الاستقرار، وأزمات تحيط ببعض الدول العربية، تنعكس تأثيراتها في وجود حالة من انعدام اليقين بشأن التنبؤ بتحولات الأحداث وتفاعلاتها ونتائجها، خصوصاً مع استمرار الحرب الجارية في غزة والتي خلفت إلى الآن آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى ومئات الآلاف من الجياع والنازحين.

فعلى النقيض من الوضوح الذي ساد مرحلة الحرب الباردة ونظام القطب الواحد، تبرهن الشواهد الراهنة دولياً، على أنَّ الحقبة التاريخية التي يمر بها العالم اليوم، تتميَّز بقدر ملموس من الغموض والضبابية، ما يجعلنا نفتقد إلى نسق أو تفسير مفهوم للأحداث الراهنة، إلى جانب صعوبة القدرة على التنبؤ بما سوف يحدث.

ويدرك الجميع أنَّ التحديات التي تحيق بالوضع العربي، لم تعد تقتصر على التغيرات السياسية وعدم الاستقرار الذي يعانيه بعض دوله، وإنما تُضَاف إليها الأزمات الاقتصادية ومخاطر التغير المناخي، وغياب التنمية والحاجة إلى موارد للمساعدة في تطوير التعليم والصحة وخلق فرص عمل وتوفير حياة كريمة للشعوب العربية. ورغم وجود الإرادة السياسية لدى كثير من الدول، فإنَّ عوامل بيروقراطية تقف عائقاً أمام تنفيذ كثير من المبادرات والبرامج التي من شأنها أن تساعد في تقديم الحلول اللازمة، على الرغم من سعي كثير من الدول لتدارك كثير من المخاطر، حيث لم يتم التصدي لوقوع بعضها نظراً للتراجع الفعلي في قدرات عدد من الدول العربية على إنجاز ذلك التصدي، ما سبّب حالة من عدم الاستقرار وخلق صعوبات اقتصادية أعاقت قدرة الدول المستقرة على أن تأخذ على عاتقها مهمة إيصال المساعدات إلى تلك الدول المتضررة، ما جعلها تصبح مراكز نفوذ لعدد من القوى غير العربية، وهي نتيجة ألقت أخطاراً شتى على استقرار العالم العربي وأمنه واقتصاده.

ورغم ذلك تظل الآمال كبيرة والأهداف كثيرة، والتي تستدعي تطوير سبل جديدة للتعاون من أجل التقدم نحو الاستقرار الذي تسعى الدول العربية إلى تحقيقه، بوصفه عنصراً مهماً لتحقيق مستقبل أفضل لهذه الدول طالما استمرّت في توجهاتها الجادة نحو نبذ خلافاتها وتوحيد جبهتها، والدخول في مشروعات تعليمية وتنموية تعيد للأمة مكانتها وتزيد من إمكاناتها.

وبلا ريب؛ فإنَّ تضافر هذه الجهود كفيل بخلق فرص كبيرة لدعم سعي العالم العربي إلى الاستفادة من التعاون مع الدول الكبرى والمؤثرة في المجتمع الدولي سياسياً واقتصادياً وتنموياً. وكل ذلك سيمهد الطريق إلى عمل عربي مشترك يمكن من خلاله التأثير في البناء العالمي، والتفكير في كيفية حل الأزمات الداخلية ببعض الدول، والاستمرار في سياسة النمو والتطوير في دول أخرى. وهي أمور ستساعد في الاستقرار لا سيما إذا تمت الاستفادة من مبادرات التطوير والبناء التي تقوم بها الدول العربية ذات المكانة، والتي تتميز بعلاقات تعاون قوية مع الدول الكبرى ولها تأثير دولي سياسياً واقتصادياً.

وتنعقد القمة والقضية الفلسطينية تواجه اليوم المرحلة الأشد خطورة في تاريخها، نظراً لوجود إجماع عربي على أنَّ معالجة هذه القضية تتطلب إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما أنَّ هناك إجماعاً عالمياً على أنَّ القضية الفلسطينية اليوم هي القضية الأكثر عدلاً وإنسانية بكل المعايير والقوانين والشرائع، وبالتالي فهي لم تعد واجباً عربياً فقط، بل هي واجب وضرورة أخلاقية وإنسانية. لذا فالمسؤولية في هذه القضية اليوم يضطلع بها سائر مكونات العدالة الدولية من منظمات وهيئات مختصة، أو ذات صلة بحقوق الإنسان دولية أو إقليمية، لتحقيق الإنجاز بالتضافر والتكامل مع المسارات الأخرى، وصولاً إلى تحقيق العدالة والإنصاف لشعب فلسطين.

وعلاوة على ذلك، فإنَّ القمة العربية ستتعامل مع اهتمامات الدول العربية، خصوصاً مع تأزم الوضع الإنساني والسياسي والميداني في السودان، واستمرار الأزمات الضاغطة في ليبيا واليمن وسوريا، وستطرح كل دولة اهتماماتها. كما لم يعد ممكناً إغفال أهمية العمل على صياغة أفكار واستراتيجيات للتعامل مع الأزمات الإقليمية والدولية المتنوعة، وسبل توحيد المواقف العربية حيال الأزمات التي تهدد المنطقة، فضلاً عن دعم المبادرات التي يمكن طرحها لتعزيز العمل المشترك.

من المرجو في الموضوعات ذات الأولوية التنموية والاقتصادية، العمل على دخولها موضع التنفيذ وإيجاد التمويل اللازم لها، لتكون لها آثار إيجابية تعم العالم العربي، خصوصاً مع وجود كثير من الدراسات المطروحة والمدعومة بالإرادة السياسية، لكن يتطلب نجاحها التزاماً فعلياً بتنفيذها وإدارة جادة للاستفادة منها.