عادل درويش
صحافي معتمد في مجلس العموم البريطاني، وخبرة 55 عاماً في صحف «فليت ستريت». وكمراسل غطى أزمات وحروب الشرق الأوسط وأفريقيا. مؤرخ نشرت له ستة كتب بالإنجليزية، وترجمت للغات أخرى، عن حربي الخليج، و«حروب المياه»؛ أحدثها «الإسكندرية ، وداعاً: 1939-1960».
TT

أزمة الحزب القومي الأسكوتلندي

استمع إلى المقالة

النهاية السياسية السريعة لرئيس الحكومة الأسكوتلندية، حمزة يوسف، بعد عام فقط من توليه، فيها دروس لعلوم السياسة، وفن إدارة الحكومة، ودارسي الأداء البرلماني، والباحثين في النظم البرلمانية.

الحزب القومي الأسكوتلندي الذي تزعمه حمزة حتى الأسبوع الماضي، ظل مسيطراً على السياسة الأسكوتلندية لعقدين بفوزه في أربع انتخابات متتالية، وكان شاغله الأول الاستقلال عن بريطانيا. الاستقلال، شعار رفعته الزعيمة السابقة نيكولا ستيرجين (شعبوية ديماغوجية تحسن الخطابة) أثناء زعامتها للحزب (2014 - 2023).

الفارق بين النجاح والفشل في الديمقراطية البرلمانية عملية حسابية «بعدد الرؤوس»، مثلما حدث مع حمزة، الذي اعتمد في بقاء حكومته على التحالف مع حزب الخضر في التصويت البرلماني. لكن التحالف انتهى، عندما تراجع حمزة عن سياسات البيئة التي أضرت بالاقتصاد، وعن سياسة صوابية سياسية أغضبت الناخب. التعديل في السياسة دفع «الخضر» للتخلي عن دعم القوميين في التصويت البرلماني. فالخضر آيديولوجياً على طرف النقيض، وإن بدت سياستهم متناسقة ومتشابهة مع القوميين الأسكوتلنديين، في شعارات الاستقلال والتنافس التخاصمي مع الحكومة الاتحادية المركزية في وستمنستر. «الخضر» يساريون وسياستهم البيئية غير واضحة (رغم الاسم)، إذ يركزون على إنهاء الاعتماد على المحروقات ومعاقبة شركات التنقيب عن البترول، بينما يلقى اهتمامهم بحماية الأشجار العتيقة والغابات والمساحات الخضراء موقعاً متراجعاً على قائمة أولوياتهم، إذ تأتي بعد سياسات اشتراكية كرفع الضرائب على السيارات، وعلى أصحاب البيوت، وتثبيت الإيجارات، وسياسات الشعارات اليسارية كحقوق المثليين والمتحولين جنسياً، والصوابية السياسية، بينما لم يتقدموا بمشاريع قوانين لتجريم أفعال كقطع الأشجار واستقطاع المساحات الخضراء مثلاً.

بعد تعديل القانون الانتخابي ليمزج بين التقاليد البرلمانية البريطانية، التقليدية، وهي انتخاب مباشر كما هو الحال في وستمنستر، وبين التمثيل النسبي أو نظام القوائم.

نظام الانتخاب المباشر مبسط، ويفهمه الناخب الذي يصوت لبرنامج انتخابي مناسب لظروفه الاقتصادية، يضم مباشرة للمرشح المعني؛ والفائز بأغلبية الأصوات (حتى لو صوتاً واحداً) يمثل الدائرة الانتخابية في البرلمان. التمثيل النسبي (نظام القوائم)، يعني التصويت لقائمة حزبية يختار منها الناخب أكثر من مرشح (الأول، ثم الثاني، وأحياناً الثالث)، وحساب الأصوات على مراحل معقدة، وينتهي الأمر بحصول الفائز في الحسبة النهائية بأصوات ناخبين لم يختاروه أصلاً.

البرلمان الأسكوتلندي (بهوليرود) مكون من 129 مقعداً، يحتل 73 منهم نواب الدوائر الأسكوتلندية الانتخابية الجغرافية بنظام الانتخاب المباشر مثل نظام الانتخاب لمجلس العموم.

أما بقية المقاعد الـ56 فيتم اختيار النواب بتقسيم أسكوتلندا إلى 56 مقاطعة. أي أن الناخب الأسكوتلندي له صوتان في كل انتخابات، صوت يمنحه لمرشح الدائرة (من ضمن 73)، وآخر يمنحه لقائمة حزبية في المقاطعة (من ضمن 56) إلا إذا كان المرشح فرداً مستقلاً. ولأن حساب الأصوات مثل حسبة برما المصرية، المقاطعات بالتمثيل النسبي، تتداخل مع الدوائر بالانتخاب المباشر. الأصوات في كل مقاطعة تحسب بطريقة استبعاد صاحب الأصوات الأقل (بنسبة تقسم على مجموع أصوات ناخبي المقاطعة) وتعاد الحسبة في كل مرة لاستبعاد الأخير، حتى يبقى واحد فقط في مقاطعة من المقاطعات الـ56. ولهذا السبب ينتهي الأمر بفوز الحزب المتقدم بنصيب الأسد، وهو أحد أهم أسباب حصول الحزب القومي الأسكوتلندي على أكبر عدد من المقاعد (63 مقعداً، بنسبة دون 49 في المائة لكنها تقل عن الأغلبية بمقعدين)، وأيضاً حصول أحزاب صغيرة كالخضر مثلاً (سبعة مقاعد، أي بنسبة خمسة ونصف في المائة تقريباً) بفضل النظام الانتخابي المعقد، في حين أنهم في البرلمان الاتحادي (وستمنستر لندن) لهم مقعد واحد من 650 مقعداً (أي بنسبة تزيد قليلاً على واحد في المائة) بينما الأحزاب التقليدية تفوز بنسبة أكبر في الدوائر المباشرة؛ فحزب المحافظين الأسكوتلندي الوحدوي (31 نائباً في هوليرود بنسبة 24 في المائة) وحزب العمال (22 نائباً بنسبة 17 في المائة). أحزاب المحافظين والعمال، والديمقراطيين الأحرار الأسكوتلنديين هم أحزاب فيدرالية، برنامجهم بقاء المملكة المتحدة متماسكة بينما «الخضر» و«القومي الأسكوتلندي» يريدان استقلال أسكوتلندا، أي 70 من 129 نائباً مع الحركة الانفصالية.

لكن الانتخابات العامة لاختيار الحكومة الاتحادية في وستمنستر تتم بنظام الانتخاب المباشر، وأزمة الحزب القومي الأسكوتلندي، سواء الأداء السيئ في البرلمان والسياسات التي أدت إلى الانفصال مع «الخضر»، أو قضية تهمة اختلاس ميزانية الحزب، (زوج الزعيمة السابقة قبض عليه في التهمة) قد يفقده الأصوات (خاصة المؤيدة للفيدرالية) لحزب العمال بزعامة كيير ستارمر، و«الخضر» لا يتوقع فوزهم بأية دوائر في نظام الانتخاب المباشر (كحال أحزاب القضية الواحدة أو الذين يراهم الناخب، أي بشعارات القضية واحدة) ومن المتوقع أن تذهب 30 من الدوائر الأسكوتلندية الـ59 إلى حزب العمال في الانتخابات العامة المقبلة لتزيد من فرصتهم في الحكم.